(وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أي وقالوا بلّغنا الرسول فسمعنا القول سماع تدبر وفهم ، وأطعنا ما فيه من الأوامر والنواهي طاعة إذعان وانقياد ، وهذا مما يبعث النفس إلى العمل به إلا إذا عرض لها مانع يمنعها منه.
والمخلصون في إيمانهم يحاسبون أنفسهم على ما يقع منهم من تقصير تأتى به العوارض الطارئة ، ويأبون إلا الكمال ، ومن ثم كان من شأنهم أن يقولوا :
(غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أي استر لنا ذنوبنا بعدم الفضيحة عليها في الدنيا وترك الجزاء عليها في الآخرة ، أي نسألك ربنا المغفرة مما عساه يقع منا من التقصير الذي يعوقنا عن الرقى في مراتب الكمال.
وإنما يكون ذلك بالتوبة وإتباع السيئة الحسنة ، وبهذا يمّحى أثر الذنب من النفس في الدنيا ، فترجع إلى الله في الآخرة نقيّة زكية.
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي لا يكلف الله عباده إلا ما يطيقون ، ويتيسر لهم فضلا منه ورحمة ، وهو كقوله : «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» وهذا إخبار من الله بعد تلقيهم تكاليفه بالطاعة والقبول بآثار فضله ورحمته لهم ، إذ كلفهم ما يتسنى لهم فعله ، ولا يصعب عليهم عمله.
وفيه بشارة بغفران ما طلبوا غفرانه من التقصير ، وبتيسير ما ربما يفهم من الآية السالفة (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) من المشقة والتعسير.
(لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) أي لها خير ما كسبته لنفسها من قول أو فعل ، وعليها ضرّ ما جدّت فيه من شر.
وأضيف الاكتساب إلى الشر لبيان أن النفس مجبولة على فعل الخير ، وتفعل الشر بالتكلف والتأسى ، إذ الميل إلى الخير مما أودع في طبع الإنسان ، ولا يحتاج إلى مشقة فى فعله بل يجد لذة في عمله ، كما يشعر بالميل إلى عبادة الله ، لأن شكر المنعم مغروس فى طبعه.