وأما الشر فإنه يعرض للنفس لأسباب ليست من طبيعتها ، ولا من مقتضى فطرتها ولا يخفى عليها إذ ذاك أنها
ممقوتة في نظر الناس ، وأنها مهينة في قرارة نفوسهم.
فالطفل ينشأ على الصدق حتى يسمع الكذب من الناس فيتعلمه وهو يشعر بقبحه ، وهكذا شأنه عند اجتراح كل شر ، فتراه يشعر بقبحه ، ويجد بين جوانحه وازعا يقول له :
لا تفعل ، ويحاسبه بعد الفعل ويوبخه.
والخير كل ما فيه نفع نفسك ونفع الناس ، والعبارة الجامعة له أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
والخلاصة ـ إن للنفس ثواب ما كسبت من الخير ، وعليها عقاب ما اجترحت من الشر.
وفي هذا ترغيب في عمل الخير ، والمحافظة على أداء الواجبات الدينية ، فإن اختصاص نفع الفعل بفاعله من أقوى الدواعي إلى تحصيله ، وتحذير له من الإخلال به لأن مضرة ذلك تحيق به لا بغيره ، واقتصار مضرة الفعل بفاعله من أشد الزواجر عن مباشرته.
وبعد أن بين سبحانه حال المؤمنين في السمع والطاعة ، وطلبهم المغفرة مما يتّهمون به نفوسهم من التقصير ، وذكر فضله على عباده في عدم تكليفهم ما لا يطيقون ـ علمهم ما يدعون به ربهم فقال :
(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) علمنا سبحانه أن ندعوه بألا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا تفضلا منه ، وإحسانا علينا ، إذ كان ينبغى العناية والاحتياط والتذكر ، لعلنا نسلم من الخطأ والنسيان ، أو يقل وقوعها منا ، فيكون ذنبنا جديرا بالعفو والمغفرة.
ذاك أن النسيان قد يكون من عدم العناية بالشيء ، وترك إجالة الفكر فيه ، ليستقر في النفس ، ومن ثم ينسى الإنسان ما لا يهمّه ويحفظ ما يهمه ، ويؤاخذ الناس