ثم ذكر من أوصافهم ما امتازوا به من غيرهم ، وبه استحقوا المثوبة عند ربهم فقال :
(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) أي إن المتقين جمعوا هذه الصفات التي لكل منها درجة في الفضل وشرف ورفعة وبها نالوا هذا الوعد وهى :
(١) الصبر وأكمل أنواعه : الصبر على أداء الطاعات وترك المحرمات ، فإذا هبت أعاصير الشهوات وجمحت بالنفس إلى ارتكاب المعاصي فلا سبيل لردعها إلا بالصبر ، فهو الذي يثبّت الإيمان ويقف بها عند الحدود المشروعة ، وهو الحافظ لشرف الإنسان فى الدنيا عند المكاره ، ولحقوق الناس أن تغتالها أيدى المطامع.
وهو كالشرط في كل ما يذكر بعده من الصدق والقنوت والاستغفار بالأسحار.
(٢) الصدق وهو منتهى الكمال ، وحسبك في بيان فضيلته قوله تعالى : «وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ، لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ».
(٣) القنوت وهو المداومة على الطاعة والإخبات إلى الله مع الخشوع والخضوع وهو لبّ العبادة وروحها ، وبدونه تكون العبادة بلا روح وشجرة بلا ثمرة.
(٤) الإنفاق للمال في جميع السبل التي حث عليها الدين ، سواء أكانت النفقة واجبة أم مستحبة ، فالإنفاق في أعمال البر جميعا مما حث عليه الشارع وندب إليه.
(٥) الاستغفار بالأسحار : أي التهجد في آخر الليل وهو الوقت الذي يطيب فيه النوم ويشقّ القيام ، وتكون النفس فيه أصفى ، والقلب أفرغ من الشواغل.
والاستغفار المطلوب ما يقرن بالتوبة النصوح ، والعمل وفق حدود الدين ، ولا يكفى الاستغفار باللسان مع الإدمان على فعل المنكر ، فإن المستغفر من الذنب وهو مصرّ عليه كالمستهزئ بربه ، ولا يغتر بمثل هذا الاستغفار إلا جاهل بدينه ، أو غرّ في معاملته لربه ، ومن ثم أثر عن بعض الصوفية قوله : إن استغفارنا يحتاج إلى استغفار.