قال صاحب الإسلام والطب الحديث رحمه الله في تفسير هذه الآية : [إن بعضهم قد اعترض على عمل الطين بشكل الطير ، لأنه لا لزوم لذلك ما دام الله قادرا على إحيائه إلى آخر ما قالوا].
والحقيقة أن في ذلك حكمة عالية ، لأن الإنسان خلق محدود الإدراك والحواس ، ولا يفهم ولا يرى ولا يسمع إلا ما كان في متناول إدراكه ، فإن رأى شيئا فوق طاقته اجتهد في أن يرده إلى شىء يعرفه ، فإن لم يمكنه بقي متحيرا ، وإن تكرر ذلك أدى إلى اضطراب في الأعصاب قد يكون خطرا.
وهنا يلحظ لطف الله في أنه لا يظهر قدرته للإنسان إلا بطريق التدرج ، وهذا يلاحظ في كل المعجزات على الإطلاق ، لأن الله تعالى يخلق الطير من الطين ومن غير الطين ، سواء أكان في شكل الطير أم لم يكن ، وكذلك لا داعى للنفخ لأن طريق الإرادة الإلهية هى (كن فيكون).
ولكن الله يقرب فهم الإرادة بهذه الطريقة ، لأن الطين إذا كان بشكل الطير يشتبه فيه الإنسان بالطير الحقيقي ، ولا يكون هناك فرق بينهما إلا الحياة مع أن ذلك كل الفرق وبعدها ينفخ فيه.
وعملية النفخ تجعله ينتظر تغييرا كما يحدث في أشياء كثيرة مثل الكرة إذا نفخ فيها وغير ذلك. فعند وجود الروح في هذا الهيكل الطيني تكون الصدمة قد انكسرت حدتها بانتظار حدوث شىء مهمّ ، مع أن كل هذه المقدمات لا دخل لها مطلقا في وجود الحياة والروح.
وهذا هو بنفسه ما يحدث عند إبراء الأكمه إلخ ، لأن ذلك قد يحدث من نفسه أو بواسطة طبيب في حالات عصبية مخصوصة (غير عضوية) ولهذا يشتبه فيها الناظر.
وللمعارضين أن يقولوا إنها ليست معجزة ، لأننا نراها على أيدى أشخاص كثيرين ، مع أن الفرق بين إبراء الأعمى الذي فقد بصره بفقد العين نهائيا ، وبين إبراء الأعمى المصاب بالهستريا إلخ مثلا يشبه الفرق بين الطين الذي في شكل الطير