لحمها ، وهذه أهم علامة على أنها حية ، وكذا الطفل يتغدى باللبن الميت ويحوله إلى جسمه الحي.
وأما إخراج الميت من الحي ، فهو الإفرازات مثل اللبن (وإن شئت فلحوم الحيوانات أيضا والنبات) فإن اللبن سائل ليس فيه شىء حي ، بخلاف النطفة فإن فيها حيوانات حية ، وهذه تخرج من الحيوان الحي ، وهكذا ينمو الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، والله أعلم بمراده ا ه.
وقد استعمل القرآن لفظ الحياة فيما يقابل الموت ، سواء أكانت الحياة حسية أم معنوية وسواء أكان لفظ الميت مما يعيش ويحيا مثله أم لا.
وهذه العبارة ـ يخرج الحي من الميت ـ إلى آخره مثال ظاهر لكونه تعالى مالك الملك يؤتى الملك من يشاء ، فقد أخرج من العرب الأميين سيد المرسلين ، إذ أعدهم بارتقاء الفكر واستقلاله وبقوة الإرادة لأن يكونوا أقوى الأمم استعدادا لقبول هذا الدين الجديد الذي هدم بناء الاستعباد ، وأقام على أنقاضه صرح الاستقلال حين كان بنو إسرائيل وغيرهم يرسفون في قيود التقليد ، وأغلال الاستبداد من الملوك والحكام.
وما الإعطاء لمن أعطى ونزع ما نزع إلا بإقامة السنن التي عليها مدار النظام ، وبها الإبداع والإحكام.
(وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي إن الأمر كله بيدك وليس أحد فوقك يحاسبك ؛ فأنت القادر على أن تنزع الملك من العجم وتذلهم ، وتؤتيه العرب وتعزهم وذلك أهون شىء عليك.
وقد ورد لفظ الحساب في القرآن على ثلاثة أوجه.
(١) بمعنى التعب كما في هذه الآية.
(٢) بمعنى العدد كما في قوله «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ».
(٣) بمعنى المطالبة كما في قوله «فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ».