بعضهم بعضا بالنسيان ، ولا سيما نسيان الأدنى لما يأمره به الأعلى ، فإنه إن لم يفعل ما يأمره به نسيانا رماه بالإهمال والتقصير وآخذه على ذلك.
وكذلك الخطأ ينشأ من التساهل وعدم الاحتياط والتروّى ، ومن ثم أوجبت الشريعة الضمان في إتلاف الشيء خطأ ، فإذا رمى امرؤ صيدا فأخطأ وأصاب إنسانا فقتله أوخذ به في الشريعة والقوانين الوضعية.
وبهذا تعلم أن المؤاخذة على النسيان والخطأ مما جاءت به الشريعة ، وجرى عليه العرف في المعاملات والقوانين ، ولو لم يكن كل منهما مقصرا ما جاز هذا وما حسن ، وكذلك يجوز أن يؤاخذ الله الناس في الآخرة بما يأتونه من المنكر ناسين تحريمه أو واقعين فيه خطأ.
والخلاصة ـ أن المراد من الآية أن الخطأ والنسيان مما يرجى العفو عنهما إذا وقع الإنسان فيهما بعد بذل الجهد والتفكر والتذكر وأخذ الدين بقوة ، ثم لجأ إلى الدعاء الذي يقوى في النفس خشية الله ورجاء فضله ، فيكون هذا الإقبال نورا تنقشع به ظلمة ذلك التقصير.
وما رواه ابن ماجه والبيهقي في السنن عن ابن عباس مرفوعا «إن الله تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» فهو وعد من الله بالتجاوز عنها يوم القيامة رحمة منه وفضلا.
(رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) أي ربنا لا تكلفنا ما يشق علينا فعله ، كما كلفت من قبلنا من الأمم التي بعثت فيها الرسل كبنى إسرائيل إذ كان يجب عليهم قطع موضع النجاسة من الثوب إذا تنجس ، وكانوا يدفعون ربع المال زكاة إلى نحو من ذلك.
وفي تعليمنا هذا الدعاء بشارة بأنه لا يكلفنا ما يشقّ علينا كما صرح بذلك في قوله : «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» وامتنان علينا وإعلام لنا بأنه كان يجوز