وفي هذا بشارة بنجاته من مكرهم واستيفاء أجله ، وأنهم لا ينالون منه ما كانوا يريدون بمكرهم وخبثهم.
وللعلماء في تأويل هذه الآية رأيان :
(١) أن فيها تقديما وتأخيرا ، والأصل : إنى رافعك إلىّ ومتوفيك ، أي إنى رافعك الآن ومميتك بعد النزول من السماء في الحين الذي قدر لك ـ وعلى هذا فهو قد رفع حيا بجسمه وروحه وأنه سينزل آخر الزمان ، فيحكم بين الناس بشريعتنا ثم يتوفاه الله.
(٢) أن الآية على ظاهرها ، وأن التوفى هو الإماتة العادية ، وأن الرفع بعده للروح ولا غرابة في خطاب الشخص وإرادة روحه ، فالروح هى حقيقة الإنسان ، والجسد كالثوب المستعار يزيد وينقص ويتغير ، والإنسان إنسان لأن روحه هى هى.
والمعنى ـ إنى مميتك وجاعلك بعد الموت في مكان رفيع عندى كما قال في إدريس عليه السلام «وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا».
وحديث الرفع والنزول آخر الزمان حديث آحاد يتعلق بأمر اعتقادي ، والأمور الاعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالدليل القاطع من قرآن أو حديث متواتر ، ولا يوجد هنا واحد منهما ، أو أن المراد بنزوله وحكمه في الأرض غلبة روحه ، وسر رسالته على الناس بالأخذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها ، والتمسك بقشورها دون لبابها.
ذاك أن المسيح عليه السلام لم يأت لليهود بشريعة جديدة. ولكن جاء بما يزحزحهم عن الجمود على ظواهر شريعة موسى عليه السلام ، ويقفهم على فقهها والمراد منها فإن أصحاب هذه الشريعة قد جمدوا على ظواهر ألفاظها ، فكان لا بد لهم من إصلاح عيسوى يبين لهم أسرار الشريعة وروح الدين ، وكل ذلك في القرآن الكريم الذي حجبوا عنه بالتقليد.