(مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) أي منهم من فضله الله بأن كلمه من غير سفير وهو موسى عليه السلام ، كما قال تعالى في سورة النساء «وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً» وفي سورة الأعراف «وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ» وفي الآية بعدها «قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي».
(وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) أي ومنهم من رفعه الله على غيره من الرسل بمراتب متباعدة في الكمال والشرف ، والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم كما رواه ابن جرير عن مجاهد ، ويؤيده السياق أيضا ، فإن الكلام في بيان العبرة للأمم التي تتبع الرسل ، والتشنيع عليهم في اختلافهم واقتتالهم ، مع أن دينهم واحد في جوهره ، والموجود من هذه الأمم اليهود والنصارى والمسلمون ، فالمناسب تخصيص رسلهم بالذكر وقد ذكر موسى أولا وعيسى آخرا ومحمدا في الوسط ، إشعارا بأن شريعته وأمته وسط.
ومن هذه الدرجات ما هو خصوصية في أخلاقه الشريفة كما يرشد إلى ذلك قوله فى سورة القلم «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ومنها ما هو في كتابه وشريعته كما يدل على ذلك قوله في فضل القرآن «إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» وقوله : «اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ».
ومنها ما هو في أمته الذين اتبعوه وعضوا على دينه بالنواجذ كما قال : «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ».
ولو لم يؤت من المعجزات إلا القرآن وحده لكفى به فضلا على سائر ما أوتى الأنبياء ، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات ، وقد روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال : «ما من نبىّ من الأنبياء إلا وقد أعطى من الآيات ما آمن