والتاريخ شاهد صدق على كذب هذا الافتراء ، فهل كان السيف يعمل عمله فى إكراه الناس على الإسلام حين كان النبي يصلى مستخفيا والمشركون يفتنون المسلمين بضروب من التعذيب ، ولا يجدون زاجرا حتى اضطر النبي وصحبه إلى الهجرة؟ أو كان ذلك الإكراه في المدينة بعد أن اعتز الإسلام؟ وقد نزلت هذه الآية في مبدأ هذه العزة ، فإن غزوة بنى النضير كانت في السنة الرابعة للهجرة ، اللهم لا هذا ولا ذاك.
هذا ، وقد كان معهودا عند بعض الملل ولا سيما النصارى إكراه الناس على الدخول فى دينهم.
ثم أكد عدم الإكراه بقوله :
(قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) أي قد ظهر أن في هذا الدين الرشد والفلاح ، وأن ما خالفه من الملل الأخرى غىّ وضلال.
ثم فصل ذلك فقال :
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) أي فمن يكفر بما تكون عبادته والإيمان به سببا في الطغيان والخروج عن الحق من عبادة مخلوق ، إنسانا كان أو شيطانا أو وثنا أو صنما ، أو تقليد رئيس ، أو طاعة هوى ، ويؤمن بالله فلا يعبد إلا إياه ، ولا يرجو شيئا من أحد سواه ، ويعترف بأن له رسلا أرسلهم للناس مبشرين ومنذرين بأوامره ونواهيه التي فيها مصلحة للناس كافة ـ فقد تحرى باعتقاده وعمله أن يكون ممسكا بأوثق عرا النجاة ، وأمتن وسائل الحق ، وإنما يكون ذلك بالاستقامة على الطريق القويم الذي لا يضل سالكه ، فمثله مثل الممسك بعروة الحبل المحكم المأمون الانقطاع لدى حمل جسم كبير ثقيل.
ثم أتى بما يفيد الترغيب والترهيب فقال :
(وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي والله سميع لأقوال من يدعى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ، عليم بما يكنه قلبه مما يصدق هذا أو يكذبه ، فمن اعتقد أن جميع الأشياء مسيرة بقدرة الله لا تأثير فيها لأحد سواه ، فهو المؤمن حقا وله الجزاء الأوفى ، ومن انطوى قلبه