والنصارى الذين جادلوا في إبراهيم وملته وأنه كان على دينهم ـ كاذبون في دعواهم وأن الصادق فيها هم أهل الإسلام ، فإنهم وحدهم أهل دينه وعلى منهاجه وشريعته دون سائر الملل الأخرى ، إذ هو مطيع لله ، مقيم على محجة الهدى التي أمر بلزومها ، خاشع له بقلب متذلل ، مذعن لما فرضه عليه وألزمه به.
(وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الذين يسمون أنفسهم الحنفاء ويدّعون أنهم على ملة إبراهيم ، وهم قريش ومن سار على نهجهم من العرب.
وصفوة القول ـ إن إبراهيم الذي اتفق اليهود والنصارى والمشركون على إجلاله وتعظيمه ـ لم يكن على ملة أحد منهم ، بل كان مائلا عما هم عليه من الوثنية ، مسلما لله ، مخلصا له.
ثم أكد ما سلف بقوله :
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) معه : أي إن أحق الناس بإبراهيم ونصرته وولايته ـ هم الذين سلكوا طريقه ومنهاجه في عصره فوحدوا الله مخلصين له الدين ، وكانوا حنفاء مسلمين غير مشركين ، وهذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه ، فإنهم أهل التوحيد الذي لا يشوبه اتخاذ الأولياء ولا التوسل بالشفعاء ، المخلصون لله في أعمالهم دون شرك ولا رياء.
وهذا هو روح الإسلام والمقصود من الإيمان ، ومن فاته ذلك فقد فاته الدين كله.
ثم ذكر أنهم مع نصرتهم لإبراهيم فالله ناصرهم فقال :
(وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصرة والتأييد ، والتوفيق والتسديد فهو يتولى أمورهم ويصلح شئونهم ، ويثيبهم بحسب تأثير الإسلام في قلوبهم ، ويحازيهم بالحسنى وزيادة.