طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) أي قال له بعد مبعثه كم يوما لبثت يا عزير؟ قال لبثت يوما أو بعض يوم بناء على ظنه وتخمينه ، فقال له : ما لبثت هذا المقدار؟ بل لبثت مدة متطاولة. ومع ذلك لم يلحق طعامك وشرابك تغيّر مما تجرى العادة بمثله حين مرور الزمان وتطاول الأعوام.
والقصد من السؤال إظهار عجزة عن الإحاطة بشئونه تعالى ، وليطّلع أثناء ذلك على بدائع قدرته بإبقاء الغذاء الذي لم يتسارع إليه الفساد مع مضى الزمن الطويل ، وليعلمه أن إحياءه كان بعد مدى طويل ، وبذا يزول من نفسه الاستبعاد الذي خطر على باله أولا.
(وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) كيف نخرت عظامه ، وتقطعت أوصاله وتمزقت ، ليستبين لك طول لبثك ، وتطمئن بذلك نفسك.
(وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) أي فعلنا ما فعلنا من إحيائك وإحياء حمارك ، وحفظ ما معك من الطعام والشراب ، ليزيل تعجبك ، ونريك آياتنا في نفسك وطعامك وشرابك ، ولنجعلك آية للناس.
أما كونه آية له فواضح ، وأما كونه آية للناس فلأن علمهم بموته مائة عام ثم بحياته بعد ذلك يكون من أكبر الآيات التي يهتدى بها من يشاهدها ، إلى كمال قدرة الله وعظيم سلطانه.
وبعد أن أراه الآية التي تكون حجة على من رآها في قوله : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ) نبهه إلى الدليل الذي يحتج به على إمكان البعث في كل مكان وزمان ، وهو سنته تعالى في تكوين الحيوان وإنشاء لحمه وعظمه فقال :
(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) أي إن القادر على أن يكسو هذه العظام لحما ويمدها بالحياة ويجعلها أصلا لجسم حى ـ قادر على أن يعيد الخصب والعمران للقرية ، وكذلك القادر على الإحياء بعد لبث مائة سنة قادر على الإحياء بعد لبث الموتى آلاف السنين ، فبعض أفعاله تعالى يشبه بعضا.