وفي إرشاد إبراهيم خليله تأديب لعامة المؤمنين ، ومنع لهم عن التذكر في كيفية الخلق والتكوين ، فإن هذا مما استأثر الله تعالى بعلمه.
وليس في سؤال إبراهيم ما يشعر بالشك ، فالإنسان قد جبل على طلب المزيد في العلم والرغبة في الوقوف على أسرار الخليقة ، وأكمل الناس علما أشدهم رغبة في طلب الوقوف على المجهولات.
فطلب إبراهيم رؤية كيفية إحياء الموتى طلب للطمأنينة فيما تنزع إليه نفسه من معرفة خفايا أسرار الربوبية ، لا طلب للطمأنينة بالبعث إذ قد عرفه بالوحى والدليل.
وإنا الآن لا نؤمن بأمور كثيرة إيمانا يقينيا ولا نعرف كيفيتها ، ونودّ لو نعرفها ، فهذا الأثير (التلغراف اللاسلكى) ينقل أخبار العالم في لحظة ، ولا نعرف كيفية ذلك ، بل أكثر من ذلك نقل الصور بالتلغراف من الأقطار النائية ، والقارات البعيدة ، ومثله أصوات المذياع (الراديو) التي تنشر في جميع أقطار العالم بكل اللغات ، وتسمع في أرجاء المعمورة ، ولا يعرف كثير من الناس كيف تصل إليهم.
ثم بين سبحانه أنه أجابه إلى ما طلب.
(قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ، ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي إن إبراهيم بعد أن طلب من ربه أن يطلعه على كيفية إحياء الموتى ـ أمره ربه أن يأخذ أربعة من الطير ، فيقطعهنّ أجزاء ، ثم يفرقها على عدة جبال بحضرته وأرضه ، ثم يدعوها فتجيبه مسرعة ـ والطير أشد الحيوان نفورا من الإنسان غالبا ـ وقد فعل إبراهيم ذلك.
قال المرحوم النطاسي عبد العزيز باشا إسماعيل في رسالته (الإسلام والطب الحديث) أثناء كلامه في المعجزات التي وقعت على أيدى الأنبياء ليتجلى لك ما ربما غاب عن فكرك ، وندّ عن بالك ، وتفهم ذلك حقّ الفهم قال :
المعجزات كلها من صنع الله مباشرة ، ومعناها سنة جديدة ، بخلاف ما نراه يوميا من عظة وعظمة كالولادة ونموّ الحيوان والنبات ، فإنه مع إعجازه يأتى مطابقا لقواعد