ورجع القهقرى ، ثم صار يطلق على كل تحول مذموم ، واستهوته الشياطين. ذهبت بعقله وهواه ، وكانت العرب فى الجاهلية تزعم أن الجنون كله من تأثير الجن ، ومنه قولهم : جن فلان ، أي مسته الجن فذهبت بعقله ، وكانوا يقولون إن الجن تظهر لهم فى المهامة وتتلوّن لهم بألوان مختلفة ، فتذهب بلبّ من يراها فيهيم على وجهه لا يدرى أين يذهب حتى يهلك ، وهذه الشياطين التي تتلون هى التي يسمونها الغيلان والأغوال والسعالى ، وقوله حيران : أي تائها ضالا عن الجادة لا يدرى ما يصنع ، والصور فى اللغة : القرن وقد ثقب الناس قرون الوعول والظباء وغيرها فجعلوا منها أبواقا ينفخون فيها لها صوت شديد يدعى به الناس إلى الاجتماع ويعزفون بها كغيرها من آلات الطرب ، وقد جاء فى سفر الأيام الأول من كتب العهد العتيق : فكان جميع بنى إسرائيل يصعدون تابوت عهد الرب بهتاف وبصوت الأصوات والأبواق والصنوج ويصوّتون بالرّباب والعيدان.
الإيضاح
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ؟) أي قل أيها الرسول للآمرين لك باتباع دينهم وعبادة الأصنام معهم ، أندعو من دون الله حجرا أو شجرا لا يقدر على نفعنا أو ضرنا؟ فنخصّه بالعبادة دون الله وندع عبادة الذي بيده الضر والنفع والحياة والموت إن كنتم تعقلون فتميزون بين الخير والشر ولا شك أن خدمة ما يرتجى نفعه ويرهب ضرّه أحق وأولى من خدمة من لا يرجى منه شىء منهما ، ونرد على أعقابنا بالعودة إلى الضلال والشرك بعد إذ هدانا الله إلى الإسلام.
والخلاصة ـ إن ذلك لا ينبغى ولا يكون للأسباب الآتية :
(١) إن هذا تحوّل وارتداد عن دعاء القادر الذي يكشف الضر إن شاء ويمنح الخير إن شاء ـ إلى دعاء العاجز الذي لا يقدر على نفع ولا ضر.
(٢) إنه نكوص على الأعقاب وتقهقر إلى الوراء.
(٣) إن من أنقذه الله القدير الرحيم من الضلالة بما أراه من آياته فى الأنفس والآفاق لا يقدر أحد أن يضله «وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ، أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ؟».