ثم ضرب مثلا يصور المرتد فى أقبح حالة كانت تتخيلها العرب فقال :
(كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ ، لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) أي أنرد على أعقابنا فيكون مثلنا فى ذلك مثل الرجل الذي استتبعه الشيطان يهوى فى الأرض حيران تائها؟ له أصحاب على المحجة واستقامة السبيل يدعونه إلى طريق الهدى الذي هم عليه ويقولون له ائتنا.
وخلاصة المثل ـ إن من يرتد مشركا بعد الإيمان كمن جعله العشق أو الجنون هائما على وجهه ، ضالا فى الفلوات حيران لا يهتدى ، تاركا رفاقه على الطريق المستقيم ينادونه : عد إلينا فلا يستجيب لهم لا نجذابه وراء ما تراءى له بغير عقل ولا بصيرة ، قال صاحب الكشاف : وهذا مبنى على ما كانت تزعمه العرب وتعتقده من أن الجن تستهوى الإنسان والغيلان تستولى عليه كقوله : «كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ».
ثم أمره أن يرغب المشركين فيما يدعو إليه لا فيما يدعونه إليه فقال :
(قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) أي قل إن هدى الله الذي أنزل به آياته ، وأقام عليه حججه وبيناته ، هو الهدى الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لا ما تدعون إليه من أهوائكم اتباعا لما ألفيتم عليه آباءكم.
(وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي وأمرنا بأن نسلم لله رب العالمين فأسلمنا.
(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) أي وأمرنا بالإسلام وبإقامة الصلاة والتقوى ؛ وإقامة الصلاة : الإتيان بها على الوجه الذي شرعت لأجله وهى أن تزكى النفس بمناجاة الله وذكره وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، والتقوى : اتقاء ما يترتب على مخالفة دين الله وشرعه وتنكبّ سننه فى خلقه من ضرر وفساد.
(وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي وهو الذي تجمعون وتساقون إلى لقائه يوم القيامة دون غيره ، فيحاسبكم على أعمالكم ويجازيكم عليها ، فليس من العقل. لا من الحكمة أن يعبد غيره أو يخاف ويرجى.