بالعاقل أن يعبد ما هو مساو له فى الخلق ، ولا ما هو مقهور بتصرف الخالق فيه ، ومحتاج إلى الغنى القادر ، ولا يقدر على نفع ولا ضر ، ولا إعطاء ولا منع.
والتعبير بالضلال البين بيان لما حدث منهم بما تدل عليه اللغة كقوله تعالى لخاتم أنبيائه : «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى» وقولك لمن تراه منحرفا عن الطريق الذي يسلكه : إن الطريق من هنا فأنت حائد أو ضالّ عنه.
وقد دلت آثار الكشف الحديث فى العراق على صدق ما عرف فى التاريخ من عبادة أولئك القوم للأصنام الكثيرة حتى كان لكل منهم صم للعبادة خاص به ، سواء فى ذلك الملوك والسّوقة ، وكانوا يعبدون الفلك والنّيّرات من الكواكب عامة والدراري السبع خاصة.
(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي وكما أرينا إبراهيم الحق فى أمر أبيه وقومه ، وهو أنهم كانوا فى ضلال مبين فى عبادتهم للأصنام والأوثان.
كذلك أريناه مرة بعد مرة ملكوت السموات والأرض. أي خلقهما بما فيهما من بديع النظام وغريب الصنع ، فأريناه تلك الكواكب التي تدور فى أفلاكها على وضع لا تعدوه ، وأريناه الأرض وما فى طبقاتها المختلفة من أصناف المعادن النافعة للإنسان فى معاشه إذا هو استخدمها على الوجه الصحيح الذي أرشدناه إليه ، وجلّينا له بواطن أمورها وظواهرها ، وهذه إلى وجوه الحجة فيها مما يدل على وحدانيتنا وعظيم قدرتنا وإحاطة علمنا بكل شىء.
(وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) أي نريه ذلك ليعرف سنننا فى خلقنا ، وحكمنا فى تدبير ملكنا ، وآياتنا الدالة على ربوبيتنا ، ليقيم بها الحجة على المشركين الضالين ، وليكون فى خاصة نفسه من زمرة الراسخين فى الإيقان البالغين عين اليقين.
ثم فصل سبحانه ما أجمله من رؤية ملكوت السموات والأرض فقال :
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً) أي إنه تعالى لما بدأ يريه ملكوت السموات والأرض ، كان من أول أمره فى ذلك أنه لما أظلم عليه الليل وستر عنه ما حوله من