فكذلك الحال بالنسبة إلى الناس ، فالقليل الطيب منهم خير من الكثير الخبيث ، فطائفة قليلة من شجعان المؤمنين تغلب الطائفة الكثيرة من الجبناء المتخاذلين ، وجماعة قليلة من ذوى البصيرة والرأى تأتى من الأعمال ما يعجز عنه الكثير من أهل الحمق والبلاهة ، فالعبرة بالصفة لا بالعدد ، والكثرة لا تكون خيرا إلا بعد التساوي فى الصفات الفاضلة.
(فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي فاتقوا الله يا أرباب العقول الراجحة ، واحذروا أن يستحوذ عليكم الشيطان ، فتغتروا بكثرة المال الخبيث وكثرة أهل الباطل والفساد من الخبيثين ، فتقوى الله هى التي تجعلكم من الطيبين وبها يرجى أن تكونوا من المفلحين الفائزين بخيرى الدنيا والآخرة.
وخص أولى الألباب بالاعتبار لأنهم هم أهل الروية والبصر بعواقب الأمور التي ترشد إليها مقدماتها بعد التأمل فى حقيقتها وصفاتها ، أما الأغرار الغافلون فلا يفيدهم وعظ واعظ ولا تذكير مذكّر فلا يعتبرون بما يرون بأعينهم ولا بما يسمعون بآذانهم ، كما يشاهد ويرى من حال كثير من الأغنياء الذين ذهبت أموالهم الكثيرة التي جمعت من الحرام ، وحال الدول التي ذهب ريحها بخلوها من فضيلتى العلم والخلق وورثها من كانوا أقل منهم رجالا ومالا إذ كانوا أفضل منهم أخلاقا وأعمالا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢))
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه وظيفة الرسول وأنها تبليغ الرسالة وبيان شرع الله ودينه فحسب ، وبذا تبرأ ذمته ـ ناسب أن يصرح بأن الرسول قد أدى وظيفة البلاغ الذي