(عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) أي إن هذه الأشياء مما نهيتم عن السؤال عنها ، لأنها مما عفا الله عنها بسكوته فى كتابه وعدم تكليفكم إياها فاسكتوا عنها أيضا ، ومما يؤيد هذا حديث أبي ثعلبة الخشني قال صلى الله عليه وسلم : «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها ، وحدّ حدودا فلا تعتدوها ، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها».
وقد يكون المعنى ـ عفا الله عما كان من مسألتكم قبل النهى فلا يعاقبكم عليها لسعة مغفرته وحلمه ، فيكون هذا كقوله فى الآية الأخرى «عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ» وقوله : «إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ».
(قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) أي قد سأل هذه المسائل (أي أمثالها) قوم من قبلكم ثم أصبحوا بعد إبدائها كافرين بها ، فإن من أكثر الأسئلة عن الأحكام الشرعية من الأمم السالفة لم يعملوا بما بين لهم منها ، بل فسقوا عن أمر ربهم وألقوا شرعهم وراءهم ظهريا استثقالا للعمل به ، وأدّى ذلك إما إلى استنكاره ، وإما إلى جحود كونه من عند الله ، وسواء أكان هذا أم ذاك فهو كفران به ، انظر إلى قوم صالح فإنهم بعد أن سألوا الآيات وأجيبوا إلى ما طلبوا لم يؤمنوا بما أوتوا بل كفروا فاستحقوا الهلاك فى الدنيا قبل عذاب الآخرة.
(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤))