وروى مسلم عن أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ، فقال رجل أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم ثم قال : ذرونى ما تركتكم ، فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)»
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) أي يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله : لا تسألوا عن أشياء من أمور الدين ودقائق التكاليف ، أو من الأمور الغيبية أو الأسرار الخفيّة أو غير ذلك مما يحتمل أن يكون إظهارها سببا للمساءة فيما بشدة التكاليف وكثرتها ، وإما بظهور حقائق تفضح أهلها.
(وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) أي وإن تسألوا عن جنس تلك الأشياء التي من شأنها أن يكون إبداؤها مما يسوءكم حين ينزّل القرآن فى شأنها أو حكمها لأجل فهم ما نزّل إليكم ، فإن الله بيديه لكم على لسان رسوله.
قال الحافظ ابن كثير : أي لا تستأنفوا السؤال عنها ، فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق ، وقد ورد فى الحديث : «أعظم المسلمين جرما من سأل عن شىء لم يحرّ لم فحرم من أجل مسألته» ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها بينت الكم حينئذ لاحتياجكم إليها.
وخلاصة ذلك ـ تحريم السؤال عن الأشياء التي من شأن إبدائها أن يسوء السائلين إلا فى حال واحدة وهى أن يكون قد نزل فى شأنها شىء من القرآن فيه إجمال وأردتم السؤال عن بيانه ليظهر لكم ظهورا لا مراء فيه كما وقع فى مسألة تحريم الخمر بعد نزول آية البقرة.