وقد أراد بذلك أن يجد فسحة فى الإغواء فيأخذ بالثأر ، ثم هو مع ذلك ينجو من الموت إذ لا موت بعد البعث.
(قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) أي قال سبحانه : إنى أجبتك إلى ما طلبت ، لما فى ذلك من الحكمة التي أنا بها عليم.
وظاهر الآية يدل على أنه تعالى جعله من المنظرين إلى يوم يبعثون ، لكن جاء فى سورة الحجر : «قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ، إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» فهذا يدل على أن النظرة إلى وقت النفخة الأولى بالصور ، وهى النفخة التي يموت فيها أهل الأرض جميعا دفعة واحدة ، لا إلى وقت النفخة الثانية وهى التي بها يبعثون ، وورد أن بينهما أربعين سنة.
والنفخة الأولى تسمى نفخة الفزع لقوله تعالى فى سورة النمل : «وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ» ونفخة الصعق لقوله فى سورة الزمر : «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ».
روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن هذه الآية : من الذين لم يشأ الله أن يصعقوا؟ قال : هم شهداء الله عز وجل ، أي هم حججه على خلقه بحسن سيرتهم واستقامتهم فى الدنيا وهم يشهدون فى الآخرة بضلال كل من خالف هديهم وسنتهم ، ويدخل فى هؤلاء النبيون والصديقون ، فكل نبى شهيد على قومه كما قال تعالى : «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً» وكذلك كل صدّيق شهيد.
والخلاصة ـ إن إبليس يموت عقب النفخة الأولى التي يتلوها حراب هذه الأرض كما قال فى سورة الحاقة : «فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ. وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً».