ولا يبقى إلى يوم البعث ، إلا إذا قلنا إن يوم البعث ويوم القيامة يطلقان تارة على ما يشمل زمن مقدماتهما ، وتارة أخرى على زمن الغاية وحدها.
(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) صراط الله المستقيم : هو الطريق الذي يصل سالكه إلى السعادة التي أعدها سبحانه لمن زكّى نفسه بهدى الدين الحق الذي يكمّل الفطرة كما جاء فى الخبر : «كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه».
أي قال إبليس : فبإغوائك إياى من أجل آدم وذريته ، أقسم لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم ، فأصدنهم عنه وأقطعنّه عليهم بأن أزيّن لهم طرقا أخرى أشرعها لهم من جوانب هذا الطريق حتى يضلّوا عنه ، وهذا ما عناه سبحانه بقوله :
(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) أي ثم لا أدع جهة من الجهات الأربع إلا هاجمتهم منها مترصّدا لهم كما يقعد قطّاع الطريق للسابلة.
وخلاصة ذلك ـ لأسوّلنّ لهم ولأصلنهم قدر المستطاع ، وقد ضرب لذلك المثل بحال العدو يأتى عدوه من أي جهة أمكنته ويفترص الفرصة إذا سنحت له.
(وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) أي ولا تجد أكثرهم مطيعين لك ، شاكرين لنعمك عليهم ، فى عقولهم ومشاعرهم ومعايشهم وفى كل ما يهديهم إلى تكميل فطرتهم من تعاليم رسلك لهم ، بل الأقلون منهم هم الذين يتبعون ذلك ، وقد قال إبليس ذلك عن ظن فأصاب لقوله تعالى : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»
وروى عن ابن عباس فى تفسير الجهات الأربع : من بين أيديهم أي أشككهم فى آخرتهم ، ومن خلفهم أي أرغبهم فى دنياهم ، وعن أيمانهم أي أشبه عليهم أمر دينهم ، وعن شمائلهم أي أستنّ لهم المعاصي ، ولا تجد أكثرهم شاكرين أي موحدين ؛ وفى رواية أخرى عنه من بين أيديهم ـ أي من قبل الدنيا ، ومن خلفهم أي من قبل الآخرة ، وعن أيمانهم أي من قبل حسناتهم ، وعن شمائلهم أي من قبل سيئاتهم.