الفريق الثاني الضلالة ، لأنهم اقترفوا أسبابها فوجدت نتائجها ومسبباتها ، لا أنها جعلت غرائز لهم فكانوا عليها مجبورين ، يرشد إلى ذلك قوله :
(إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) أي إنهم حين أطاعوا الشياطين فيما زيّنوا لهم من الفواحش والمنكرات ، فكأنهم ولّوهم أمورهم من دون الله الذي يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر ، وهم مع عملهم هذا يحسبون أنهم مهتدون فيما تلقّنهم الشياطين من الشبهات ، كجعل التوجه إلى غير الله والتوسل إليه فى الدعاء مما يقربهم إلى الله زلفى ، قياسا على الملوك الجاهلين الذين لا يقبلون الصفح عن مذنب إلا بوساطة بعض المقربين عنده.
والكثير من أهل الضلال يحسبون أنهم مهتدون ، وهم ما بين كافر جحود للحق كبرا وعنادا كأعداء الرسل فى عصورهم وحاسديهم على ما آتاهم الله من فضله كما حكى سبحانه عن فرعون وملئه «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا» وكالكبراء من قريش أمثال أبي جهل والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث فى جميع كثير منهم وهم الذين قال الله فيهم : «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ» وهؤلاء هم الأقلون عددا ـ وكافر بالتقليد واتباع نزغات الشيطان ، أو باتباع الآراء الخاطئة والنظريات الفاسدة ، وهم الذين قال الله فيهم : «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» وهؤلاء هم جمهرة الناس فى جميع الأمم.
وذهب كثير من العلماء إلى أن من بذل جهده فى البحث والنظر فى الحق ، ثم اتبع ما ظهر له أنه الحق بحسب ما وصلت إليه طاقته ، وكان مخالفا فى شىء منه لما جاءت به الرسل ـ لا يدخل فى مدلول هذه الآية ونحوها ، بل يكون معذورا عند الله لقوله تعالى : «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها».