(وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) أي كلوا مما رزقكم الله من غير إسراف فى الأكل كما قال فى آية أخرى : «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» وقال : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ، وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».
والاعتداء والإسراف : مجاوزة الحد ، والحد الذي ينهى الله عن تجاوزه إما شرعى كتجاوز الحلال من الطعام والشراب وما يتعلق بهما إلى الحرام ، وإما فطرى طبعى وهو تجاوز حد الشبع إلى البطنة الضارة.
(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) أي وأنشأ من الأنعام كبارا منها تصلح للحمل ، وصغارا مثل الفصلان الدانية من الأرض لصغر أجرامها كالفرش المفروش عليها.
(كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي كلوا من هذه الأنعام وغيرها وانتفعوا بها بسائر ضروب الانتفاع المباحة شرعا.
(وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) فتحرموا ما لم يحرمه الله عليكم ، فإن ذلك إغواء منه ، والله المبدع قد أباحها لكم فليس لغيره أن يحرّم أو يحلل ، ولا أن يتعبدكم به.
ويقال لمن اتّبع آخر فى أمر وبالغ فى التأسّى به ـ اتّبع خطواته ، ولا شك أن تحريم ما أحل الله من أقبح المبالغات فى اتباع إغواء الشيطان ، لأنه اتباع له فى حرمان النفس من الطيبات ـ لا فى الاستمتاع باللذات كما هوأكثر غوايته ؛ ثم علل النهى عن اتباعه بقوله :
(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي لا تتبعوه لأنه ظاهر العداوة بينها ، لا يأمر إلا بكل قبيح يسوء فعله حالا أو استقبالا ويأمركم بالافتراء على الله بغير علم كما قال عز اسمه : «إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ».