وبعد أن ذكر سبحانه أن الأنعام إما حمولة وإما فرش ، فصلها وقسمها ثمانية أزواج ، فإن الحمولة إما إبل وإما بقر ، والفرش إما ضأن وإما معز ، وكل من الأقسام الأربعة إما ذكر وإما أنثى ، وكل هذا لإيضاح المحالّ التي تقوّلوها على الله تعالى بالتحريم والتحليل ثم تبكيتهم بإظهار كذبهم وافترائهم فى كل محل من هذه المحال بتوجيه الإنكار إليها مفصلة فقال :
(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ، قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ؟ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ، قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ؟ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) أي أنشأ سبحانه من الضأن زوجين الكبش والنعجة ، ومن المعز زوجين التيس والعنز ، وهذه الأنواع الأربعة تفصيل للفرش ، فقل لهم أيها الرسول تبكيتا وتوبيخا : أحرم الله الذكرين الكبش والتيس من ذينك النوعين أم حرم الأنثيين النعجة والعنز أم حرم ما حملت إناث النوعين أخبرونى ببينة تدل على ذلك من كتاب الله أو خبر من أنبيائه إن كنتم صادقين فى دعوى التحريم.
وكذلك أنشأ من الإبل اثنين الجمل والناقة ، ومن البقر اثنين الثور والبقرة ، فقل لهم تأنيبا وإنكارا وإلزاما للحجة. أحرم الذكرين منهما أم حرم الأنثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين من ذينك النوعين؟
وخلاصة ذلك ـ إن المشركين فى الجاهلية كانوا يحرمون بعض الأنعام ، فاحتج سبحانه على إبطال ذلك ـ بأن لكل من الضأن والمعز والإبل والبقر ذكرا وأنثى ، فإن كان قد حرم منها الذكر وجب أن يكون كل ذكورها جراما ، وإن كان حرم جل شأنه الأنثى وجب أن يكون كل إناثها حراما ، وإن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الإناث وجب تحريم الأولاد كلها ، لأن الأرحام تشتمل على الذكور والإناث.
وقصارى ذلك ـ إنه تعالى ما حرم عليهم شيئا من هذه الأنواع الأربعة وإنهم كاذبون فى دعوى التحريم ، وقد فصل ذلك أتم التفصيل مبالغة فى الرد عليهم.