ثم زاد فى الإنكار والتهكم بهم فقال :
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) أي أعندكم علم يؤثر عن أحد من رسله فتنبئونى به ، أم شاهدتم ربكم فوصاكم بهذا التحريم مشافهة بغير واسطة؟ ـ كلّا ، ما حصل هذا ولا ذاك ، فما هو إلا محض افتراء على الله يقلد فيه بعضكم بعضا بقوله إن الله حرم علينا كذا وكذا كما قال تعالى : «وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها ، قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ، أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ؟».
والخلاصة ـ إنكم إذ لم تؤمنوا بنبي فلا طريق لكم إلى علم ذلك بحسب ما تقولون إلا أن تشاهدوا ربكم وتتلقوا منه أحكام الحلال والحرام.
وبعد أن نفى الأمرين بالبرهان أثبت أنه افتراء على الله لإضلال عباده وهو ظلم يجنيه الإنسان على نفسه وعلى غيره ويجنى سوء عاقبته ، فقال :
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي لا أحد أظلم منكم لأنكم من هؤلاء المفترين على الله بقصد الإضلال عن جهل تام.
ونفى العلم شامل لمن يؤثر أو يعقل ويستنبط كالنظر العقلي والتجارب العملية وطرق درء المفاسد والشرور وتقدير المصالح وعمل البر والخير.
والخلاصة ـ إن فى ذلك تسجيل الغباوة عليهم وعمى البصيرة باتباعهم محض التقليد من غير عقل ولا هوى ، فإن عملهم ليس له أثارة من علم ولا قصد إلى شىء من الهدى إلى حق أو خير.
وقد وجد فى البشر ناس فكّروا وبحثوا فيما يجب عليهم لله من الشكر والعبادة واتباع الحق والعدل وفعل الخير بحسب ما يرشد إليه العقل ، وفيما ينبغى لهم أن يجتنبوه من الطعام والشراب فأصابوا فى بعض ما هدتهم إليه عقولهم وأخطئوا فى بعض ، وكانوا خير الناس للناس على حين فترة من الرسل ، كما فعل قصى ، إذ وضع للعرب سننا حسنة كسقاية الحاجّ ورفادتهم وإطعامهم ، وسن الشّورى فى مهامّ الأمور.