ولما أخبر سبحانه عن القرآن بقوله : «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ» قفى بمدح التوراة ، كما جاء مثل هذا فى قوله : «وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً ، وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا» وقوله : «قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ» ثم قال : «وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ» الآية.
وهذه الوصايا العشر التي فى الآيات الثلاث ، والتي لها نظير فى سورة الإسراء ـ كانت أول ما نزل بمكة قبل تفصيل أحكام العبادات والمعاملات فى السور المدينة ، وكذلك كانت أول ما نزل على موسى من أصول دينه ، لكن وصايا القرآن أجمع للمعانى فهى تبلغ العشرات إذا فصلت.
وهذه الوصايا وما أشبهها هى أصول الأديان على ألسنة الرسل ، يرشد إلى ذلك قوله : «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى».
وليس هذا الدين المشترك الذي أوصى به هؤلاء الرسل الكرام إلا التوحيد ومكارم الأخلاق والتباعد عن الفواحش والمنكرات.
(تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) أي آتيناه الكتاب تماما للنعمة والكرامة على من أحسن فى اتباعه واهتدى به ، كما جاء فى قوله : «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا» وقوله : «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً»
وقد يكون المعنى ـ آتيناه الكتاب تماما كاملا جامعا لما يحتاج إليه من الشرائع كقوله «وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ».
(وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) أي مفصلا لكل شىء من أحكام الشريعة عباداتها ومعاملاتها ، مدنية كانت أو حربية أو جنائية ، وهذا كقوله فى صفة القرآن : «وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ».