أولئك الشركاء من يهدى إلى الحق بوجه من وجوه الهداية التي بها تتم حكمة الخلق.
كما يدل على ذلك قوله (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى).
والهداية أنواع ـ هداية الغريزة والفطرة التي أودعها الله فى الإنسان والحيوان ، وهداية الحواس من سمع وبصر ونحو ذلك ، وهداية التفكير والاستدلال بوساطة هذه الوسائل ، وهداية الدين ، وهو للنوع البشرى فى جملته بمثابة العقل للأفراد ، وهداية التوفيق الموصل بالفعل إلى الغاية بتوجيه النفس إلى طلب الحق وتسهيل سبله ومنع الصوارف عنه.
ولما كانوا لا يستطيعون أن يدّعوا أن أحد من أولئك الشركاء يهدى إلى الحق لا من ناحية الخلق ولا من ناحية التشريع ، لقن الله رسوله الجواب فقال : (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ) أي قل هو الله سبحانه الذي يهدى إلى الحق دون غيره بما نصب من الأدلة والحجج ، وأرسل من الرسل ، وأنزل من الكتب ، وهدى إلى النظر والتدبّر ، وأعطى من الحواس.
(أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) قرأ يعقوب وحفص يهدى بكسر الهاء ، وتشديد الدال وأصله يهتدى ، أي أفمن يهدى إلى الحق وهو الله أحق أن يتّبع فيما يشرّعه ، أم من لا يهدى غيره ولا يهتدى بنفسه إلا أن يهديه غيره وهو الله تعالى ، إذ لا هادى غيره.
ويدخل فيمن نفى عنهم الهداية ممن اتخذوا شركاء ـ المسيح عيسى بن مريم وعزير والملائكة. وهؤلاء كانوا يهدون إلى الحق بهداية الله ووحيه كما قال تعالى فى سورة الأنبياء «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا».
(فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟) أي أىّ شىء أصابكم وماذا حلّ بكم حتى اتخذتم هؤلاء شركاء وجعلتموهم وسطاء بينكم وبين ربكم الذي لا خالق ولا رازق ولا هادى لكم سواه ، كيف تحكمون بجواز عبادتهم وشفاعتهم عنده بدون إذنه.
وفى هذا تعجيب من حالهم وسوء صنيعهم وقبيح فعلهم.