إلا الظن فى دعواهم أنهم أولياء لله وشفعاء عنده ، فهم يقيسونه على ملوكهم الظالمين المتكبرين الذين لا يصل إليهم أحد من رعاياهم إلا بوسائل حجّابه ووزرائه ووسائطه.
ثم زاد ذلك توكيدا بقوله :
(وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي وما هم فى اتباع هذا الظن الذي لا يغنى من الحق شيئا إلا متخرصون قائلون بغير علم بما يقولون.
والخلاصة ـ إنهم إنما اتبعوا ظنونهم الفاسدة وأوهامهم الباطلة ، فقاسوا الرب فى تدبير أمور عباده على الملوك ، وجهلوا أن أفعاله تعالى إنما تجرى بمقتضى مشيئته الأزلية وفق علمه الذاتي وحكمته البالغة العادلة ، وأن جميع أوليائه وأنبيائه وملائكته عبيد مملوكون له : «أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً» أي إن أقرب أولئك الذين يدعونهم ويتوسلون إليه بهم كالمسيح والملائكة ومن دونهم ـ يتوسلون إليه راجين خائفين لا كأعوان الملوك الذين لا ينتظم أمر ملكهم بدونهم.
ثم أقام البرهان على مضمون ما قبله من نفى الشركاء له فى الخلق والتقدير ، والشفعاء عنده حين التصرف والتدبير فقال :
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي هو الذي جعل لكم الوقت قسمين بمقتضى علمه ومشيئته بدون مساعد ولا شفيع ، فجعل الليل مظلما لأجل أن تسكنوا فيه بعد طول التعب والنصب والحركة للمعاش ، وجعل النهار مضيئا ذا إبصار لتنتشروا فى الأرض وتقوموا بجيمع أعمال العمران والكسب والشكر للرب. وقد جاء بمعنى الآية قوله تعالى : «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ».
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) أي إن فى اختلاف الليل والنهار وحال أهلهما فيهما لدلائل وآيات على أن المعبود بحق هو الذي خلق الليل والنهار وخالف بينهما ـ