(وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي وإن يردك ربك برخاء ونعمة وعافية فلا يقدر أحد أن يحول بينك وبين فضله الذي تعلقت به إرادته تعالى ، فما شاء كان حتما ، فلا يرجى خير ونفع إلا من فضله ، ولا يخاف ردّ ما يريده. فهو يصيب بالخير من يشاء من عباده بكسب أو بغير كسب ، وبسبب ما قدّره فى السنن العامة وبغير سبب ، ففضله تعالى على عباده عام بعموم رحمته ، بخلاف الضر فإنه لا يقع إلا بسبب من الأسباب الخاصة بكسب العبد أو العامة فى نظام الخلق كالأمراض التي تعرض بترك أسباب الصحة والوقاية جهلا أو تقصيرا ، وفساد العمران وسقوط الدول الذي يقع بترك العدل وكثرة الظلم.
(وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي وهو الغفور لذنوب من تاب وأناب من عباده من كفره وشركه إلى الإيمان به وطاعته ، الرحيم بمن آمن به منهم فلا يعذبه بعد التوبة ، ولو لا مغفرته الواسعة ورحمته العامة لأهلك الناس جميعا بذنوبهم فى الدنيا قبل الآخرة كما قال تعالى : «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ» وقال : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ».
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩))
المعنى الجملي
بعد أن قرر سبحانه دلائل التوحيد والنبوة والمعاد ـ ختم السورة بهذا البلاغ للناس كافة بمقتضى البعثة العامة ، وهو إجمال لما تقدم من التفصيل فيها.