المعنى الجملي
لما أمر سبحانه فيما سبق بقتال المشركين كافة ـ أرشدهم فى هذه الآية إلى طريق السداد فى هذا الباب ، وهو أن يبدءوا بقتال من يليهم ثم ينتقلوا إلى الأبعد فالأبعد وهكذا ، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كذلك ، فقد حارب قومه ثم انتقل إلى غزو سائر العرب ثم إلى غزو الشام ، ولما فرغ صحابته من الشام دخلوا العراق ؛ وكذلك فى أمر الدعوة فقد قال تعالى : «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» ثم أمر بالدعوة العامة وقتال من يقف فى طريقها من المشركين فقال : «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ».
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) أي قاتلوا الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام ، ذاك أن القتال إنما شرع لتأمين الدعوة إلى الدين والدفاع عن أهله ، وقد كانت الدعوة موجهة إلى الأقرب فالأقرب من الكفار كما قال تعالى لرسوله : «لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها».
وهذا الترتيب أولى لوجوه كثيرة : منها قلة النفقات ، والحاجة فيه إلى الدواب والآلات ، وسهولة معرفة حال الأقرب من الأسلحة والعسكر ، ولأن ترك الأقرب والاشتغال بالأبعد لا يؤمن معه من هجوم العدو على الذراري والضعفاء ، ومن ثم كان هذا هو الطريق المتبع فى الدعوة والنفقات والصدقات وما يدار فى المجالس من شراب ونحوه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطى من على يمينه وإن لم يكن أفضل الجالسين ثم الذي يليه ثم الذي يليه ، وقال للأعرابى الذي كان يمديده إلى الجوانب البعيدة من المائدة «كل مما يليك».
(وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) الغلظة ـ مثلثة ـ : الشدة والخشونة ، أي وليجدوا فيكم