(إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) أي إن الحفظة من الملائكة الذين وكلهم الله بإحصاء أعمال الناس وكتبها للحساب عليها فى الآخرة يكتبون ما تمكرون به.
وفى ذلك تنبيه إلى أن ما دبّروا ليس بخاف عليه تعالى ، وإلى أن انتقامه واقع بهم لا محالة.
وعلينا أن نعتقد بأن الملائكة تكتب الأعمال كتابة غيبية لم يكلفنا الله تعالى بمعرفة صفتها ، وإنما كلفنا أن نؤمن بأن له نظاما حكيما فى إحصاء أعمالنا لأجل أن نراقبه فيها فنلتزم الحق والعدل والخير ونجتنب أضدادها.
ثم ضرب مثلا من أبلغ أمثال القرآن ليظهر لهم ويتضح به ما هم عليه فقال :
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي أنه تعالى هو الذي وهبكم القدرة على السير فى البر وسخر لكم الإبل والدواب ، وفى البحر بما سخر لكم من السفن التي تجرى فى البحر والقطر التجارية والسيارات ، وفى الهواء بالطائرات التي تسير فى الجوّ.
(حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أي حتى إذا كنتم فى الفلك التي سخرناها لكم وجرت بمن فيها بسبب ريح مواتية لهم فى جهة سيرهم ، وفرحوا بما هم فيه من راحة وانتعاش وتمتع بمنظره الجميل وهوائه العليل ـ جاءت ريح شديدة قوية فاضطرب البحر وتموّج سطحه كله فتلقاهم من جميع الجوانب والنواحي بتأثير الريح ، واعتقدوا أنهم هالكون لا محالة بإحاطة الموج بهم ، فبيما يهبط الريح العاصف بهم فى الحج البحر حتى كأنهم سقطوا فى هاوية إذا به يثب بهم إلى أعلى كأنهم فى قمّة الجبل الشاهق ـ فإذا ما نزلت بهم نذر العذاب ، وتقطعت بهم الأسباب ، دعوا الله مخلصين له الدين ليكشف عنهم ما حل بهم ولا يتوجهون معه إلى ولىّ ولا شفيع ممن كانوا يتوسلون بهم إليه حال الرخاء. وقد صمموا العزيمة على طاعته وقالوا ربنا لئن أنجيتنا من هذه التهلكة