فى قلوبكم بعد ، إذ لم يوافق القلب ما جرى به اللسان ، ولم يكن لشرائع الدين ولا آدابه أثر فى أعمالكم ، فلم تتغذّ بها أرواحكم ، ولم تصطبغ بهديها نفوسكم.
قال الزجاج : الإسلام إظهار الخضوع وقبول ما أتى به النبي صلّى الله عليه وسلم وبذلك يحقن الدم ، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك هو الإيمان وصاحبه المؤمن اه.
(وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) أي وإن تطيعوا الله ورسوله وتخلصوا له فى العمل وتتركوا النفاق لا ينقص سبحانه من أجوركم شيئا ، بل يضاعف ذلك أضعافا كثيرة.
ولما كان الإنسان كثير الهفوات مهما اجتهد ـ ذكر أنه غفور لزلاته فقال :
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي إنه ستار للهفوات ، غفار لزلات من تاب وأناب وأخلص لربه ، رحيم به أن يعذبه بعد التوبة ، بل يزيد فى إكرامه ، ويصفح عن آثامه.
ثم بين سبحانه حقيقة الإيمان بقوله :
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) أي إنما المؤمنون حق الإيمان الذين صدقوا الله ورسوله ، ثم لم يشكوا ولم يتزلزلوا ، بل ثبتوا على حال واحدة ، وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم فى طاعة الله ورضوانه ـ أولئك هم الصادقون فى قولهم : آمنا ، لا كبعض الأعراب الذين ليس لهم من الإيمان إلا الكلمة الظاهرة ، وقد دخلوا الملة خوفا من السيف ، ليحقنوا دماءهم ويحفظوا أموالهم.
ثم أكد ما سبق من قوله : لم تؤمنوا بقوله :
(قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ؟) أي قل لهم : أتخبرون الله بما فى ضمائركم ، وما تنطوى عليه جوانحكم من صادق الإيمان بقولكم : آمنا حقا.