من تلاوته ، ولّوا : أي رجعوا ، منذرين : أي مخوّفين لهم عواقب الضلال. روى أن هؤلاء الجن كانوا من جنّ نصيبين من دياربكر قريبة من الشام ، أو من نينوى بالموصل ، وكان الاجتماع بوادي نخلة على نحو ليلة من مكة ، وقد أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ عليهم القرآن ، فصرف الله إليه نفرا منهم فاستمعوا منه ، حتى إذا انقضى من تلاوته رجعوا إلى قومهم منذريهم عقاب الله إذا هم استمروا على الضلال. أجاره من كذا : أنقذه منه ، وداعى الله : هو الرسول صلى الله عليه وسلم ، فليس بمعجز فى الأرض : أي لا ينجو منه هارب ، ولا يسبق قضاءه سابق.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه أن فى الإنس من آمن ومنهم من كفر ـ أعقب هذا ببيان أن الجن كذلك ، فمنهم من آمن ومنهم من كفر ؛ وأن مؤمنهم معرّض للثواب ، وكافرهم معرض للعقاب ، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كما أرسل إلى الإنس أرسل إلى الجن.
واعلم أن عالم الملائكة وعالم الجن لا يقوم عليهما دليل من العقل ؛ فهما بمعزل عن ذلك ، وإنما دليلهما السمع وإخبار الأنبياء بذلك فقط ، فعلينا أن نؤمن بما جاء به فحسب ولا نزيد على ذلك شيئا ، ولا نتوسع فى بحثه وتأويله وتفصيله ، فإن ذلك من عالم الغيب الذي لم نؤت من علمه كثيرا ولا قليلا ، فعلينا أن نؤمن بأن اتصالا قد تمّ بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وعالم الملائكة ، وبه تلقّى الوحى على أيديهم ، وأنه اتصل بعالم الجن ، فعلّمهم وبشرهم وأنذرهم ، لكنا لا ندرى كيف كان الاتصال ولا كيف تلقّوا عنه القرآن ، ولعل تقدم العلوم فى مستأنف الأيام يلقى علينا ضواءا من هذه المعرفة ، أو لعل قراءة علم الروح والتوسع فى دراسته ينير لنا بعض السر فى ذلك ؛ ففى هذه الدراسة معرفة شىء من أحوالنا فى الحياة الأخرى بعد هذه الحياة وسيأتى تفصيل لهذا القصص فى سورة الجن