وإغاثة الملهوف إلى نحو أولئك ، إذ هم فعلوه وهم مشركون فلم تكن لله ولا بأمره ، بل بأمر الشيطان للفخر وحسن الأحدوثة بين الناس.
ثم بالغ فى توبيخ المنافقين ، وإظهار خباياهم ، وإعلان نواياهم فقال :
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) أي بل أحسب أولئك المنافقون الذين فى قلوبهم حقد وعداوة للمؤمنين أن الله لا يكشف أستارهم ويبرز أحقادهم ، بلى سيبرزها للرسول صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين فلا تبقى مستورة ، وقد أنزل الله فى فضائحهم وما يبطنون من الأفعال سورة براءة ، ولذا تسمى الفاضحة كقوله فيهم : «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ» وقوله : «فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا».
ثم أكد ما فهم من سالف الكلام وأنه سيظهرها فقال :
(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي ولو نشاء أيها الرسول لعرّفناك أشخاصهم ، فعرفتهم عيانا بعلامات هى غالبة عليهم ، ولكنه لم يفعل ذلك فى جميع المنافقين للستر على خلقه ، وردّا للسرائر إلى عالمها ، وحرصا على ألا يؤذى ذوى قرباهم من المخلصين.
(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أي ولتعرفنهم فيما يداورونه من القول ، فيعدلون عن التصريح بمقاصدهم إلى التعريض والإشارة ، وإياه عنى القائل فى مدح محبوبته فقال :
منطق صائب وتلحن أحيا |
|
نا وخير الحديث ما كان لحنا |
يريد أنها تتكلم بشىء وتريد غيره وتعرّض فى حديثها فتزيله عن جهته ، لفطنتها وذكائها.
وقد كانوا يخاطبون الرسول صلّى الله عليه وسلّم بألفاظ ظاهرها الحسن وهم يعنون بها القبيح. قال الكلبي : فلم
يتكلم بعد نزولها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم منافق