(فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) أي فأعرضوا عن طعامه ولم يأكلوا فأضمر فى نفسه الخوف منهم ، ظنا منه أن امتناعهم إنما كان لشرّ يريدونه ، فإنّ أكل الضيف أمنة ودليل على سروره وانشراح صدره ، وللطعام حرمة ، وفى الإعراض عنه وحشة موجبة لسوء الظن ، وقد جاء فى سورة هود : «فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً».
ثم ذكر أنهم طمأنوه حينئذ فقال :
(قالُوا لا تَخَفْ) منا إنا رسل ربك ، وجاء فى الآية الأخرى : «قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ».
(وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) أي فبشروه بإسحاق بن سارّة كما جاء فى سورة هود : «فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ» وجاءت البشارة بذكر لأنه أسرّ للنفس ، وأقر للعين ، ووصفه بالعلم لأنه الصفة التي يمتاز بها الإنسان الكامل ، لا الصورة الجميلة ولا القوة ولا نحوهما.
ثم أخبر عما حدث من امرأته حينئذ فقال :
(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) أي فأقبلت امرأته سارّة حين سمعت بشارتهم (كانت فى ناحية من البيت تنظر إليهم) وهى تصرخ صرخة عظيمة وضربت بيديها على جبيتها وقالت : أنا عجوز عقيم فكيف ألد؟ وجاء فى الآية الأخرى : «قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً» فأجابوها عما قالت :
(قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) أي قالوا لها : مثل الذي أخبرناك به قال ربك ، فنحن نخبرك عن الله ، والله قادر على ما تستبعدين ، وهو الحكيم فى أفعاله ، العليم الذي لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء.