أهل مكة الذين أخرجوك ـ أهلكناهم بأنواع العذاب ولم يجدوا ناصرا ولا معينا يدفع عنهم بأسنا وعذابنا ، فاصبر كما صبر قبلك أولو العزم من الرسل ، ولا تبخع نفسك عليهم حسرات ، فالله مظهرك عليهم ، ومهلكهم كما أهلك من قبلهم إن لم ينيبوا إلى ربهم ، ويثوبوا إلى رشدهم.
وغير خاف ما فى هذا من التهديد الشديد ، والوعيد الأكيد لأهل مكة.
أخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس «أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال : أنت أحبّ بلاد الله إلىّ ، وأنت أحب بلاد الله إلىّ. ولو لا أن أهلك أخرجونى لم أخرج منك ، وأعدى الأعداء من عدا على الله فى حرمه ، أو قتل غير قاتله ، أو قتل بذحول (ثارات) الجاهلية فأنزل الله سبحانه على نبيّه (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ)» الآية.
ثم ذكر الفارق بين حالى المؤمنين والكافرين والسبب فى كون هؤلاء فى أعلى عليين وأولئك فى أسفل سافلين ، فقال :
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ؟) أي أفمن كان على بصيرة ويقين فى أمر الله ودينه بما أنزله فى كتابه من الهدى والعلم ، وبما فطره الله عليه من الفطرة السليمة ، فهو على علم بأن له ربّا يجازيه على طاعته إياه بالجنة ، وعلى إساءته ومعصيته إياه بالنار ـ كمن حسّن له الشيطان قبيح عمله ، وأراه إياه جميلا فهو على العمل به مقيم ، وعلى السير على نهجه دائب ، واتبع هواه وجمحت به شهواته فطفق يعدو فى المعاصي ، ويخبّ فيها ويضع ، غير ملتفت إلى واعظ أو زاجر؟
والخلاصة ـ أيستوى الفريقان : من كان ثابتا على حجة بينة من عند ربه وهى كتابه الذي أنزله على رسوله وسائر الحجج التي أقامها فى الآفاق والأنفس. ومن زين له الشيطان سيىء أعماله من الشرك وسائر المعاصي كإخراجك من قريتك ،