أستبقى حسناتى ، فإن الله عز وجل وصف أقواما فقال : «أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها».
وأخرج أحمد والبيهقي فى شعب الإيمان عن ثوبان رضى الله عنه قال : «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سافر كان آخر عهده من أهله بفاطمة ، وأول من يدخل عليه منهم فاطمة رضى الله عنها ، فقدم من غزاة فأتاها فإذا بمسح (بكسر فسكون ، وهو ثوب من شعر غليظ) على بابها ، ورأى على الحسن والحسين قلبين (مثنى قلب بضم فسكون : السوار) من فضة فرجع ولم يدخل عليها ، فلما رأت ذلك ظنت أنه لم يدخل من أجل ما رأى ، فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكيا ، فقسمت ذلك بينهما ، فانطلقا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهما يبكيان ، فأخذ ذلك رسول الله منهما ، وقال يا ثوبان اذهب بهذا إلى بنى فلان (أهل بيت بالمدينة) واشتر لفاطمة قلادة من عصب (بفتح فسكون خرز أبيض) وسوارين من عاج ، فإن هؤلاء أهل بيتي : ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم فى حياتهم الدنيا».
وقد كان السلف الصالح يؤثرون التقشف والزهد فى الدنيا رجاء أن يكون ثوابهم فى الآخرة أكمل ، لا أن التمتع بزخارف الدنيا مما يمتنع ، بدليل قوله تعالى «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ».
نعم إن الاحتراز عن التنعم أولى ، لأن النفس إذا اعتادت ذلك وألفته صعب عليها تركه والاكتفاء بما دونه ، ولله درّ البوصيرى إذ يقول :
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على |
|
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم |
والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه : أن على المرء أن يأكل ما وجد ، طيبا كان أو قفارا (الطعام بلا أدم) ولا يتكلف الطيب ويتخذه عادة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم يشبع إذا وجد ، ويصبر إذا عدم ، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها