ثمامة ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلىّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلىّ ، والله ما كان من دين أبغض إلىّ من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين إلىّ ، والله ما كان من بلد أبغض إلىّ من بلدك ، فقد أصبح بلدك أحب البلاد إلىّ وإن خيلك أخذتنى وأنا أريد العمرة فما ذا ترى؟ فبشره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت ، قال لا ولكن أسامت مع محمد صلّى الله عليه وسلم.
وعن عمران بن حصين قال : أسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من عقيل فأوثقوه ، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم ففداه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف.
واعلم أن للحرب فوائد ، وللسلم أخرى ، فالأمم فى حال الطفولة عقولها أشبه بعقول الشاب المراهق الذي لم يبلغ الحلم ، تراه يقاتل الصبيان ويشاجرهم ويوقع الأذى بهم وهم يزيدون فى أذاه ، وينكلون به ، وهذه هى حال الأمم اليوم.
ألا إن الحرب تقوّى الأبدان ، وترقى الصناعات ، وتجعل الأمم تنمو ، وتوقظ الشعور ، وتفتح المغلق ، وتيسر العسير ، قال أرسطو للاسكندر : إن الراحة مضرة للأمم ، ومن ثم قيل : إذا أردت رقىّ أمة فاجعلها تخوض الحروب ؛ فذلك يفتح لها باب السعادة ؛ والأمم النائمة على فراش الراحة الوثير معرّضة للزوال.
فإذا كملت أخلاق الأمم ومواهبها ، فإن نتائج السلم عندها ستكون كنتائج الحرب لدى من قبلها ، فكما يفرح الرجل فى الأمم الحاضرة بغلبة الأعداء وشفاء الغليل وجمع الرجال والسلاح والكراع ، فسيكون فرح الأمم فيما بعد بمساعدة غيرها وانشراح صدورها بظهور أمم أخرى تكافح معها فى ميدان الحياة ، ويكون كل فرد فى الأمم المقبلة أشبه بالأب يكدح لمساعدة أبنائه ، وهذا الكدح والجد فى العمل لفائدة الجميع بحد فيه العامل لذة وفرحا أشد من فرح المنتصر فى ميادين القتال.