معك فى قبرك حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول الله تعالى : «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» ثم قال : عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك.
وروى أبو أسامة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : «كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبّح أو يستغفر».
والحكمة فى هذا أن الله لم يخلق الناس لتعذيبهم ، بل خلقهم لتربيتهم وتهذيبهم ، فكل ألم فهو لرقىّ النفس. والعالم المادي من طبعه أن يكون نفعه أكثر من ضره ، والله تعالى خلقنا لغاية شريفة لنا ، والحسنات هى الأصل والسيئات عارضة ؛ كما أن المنافع فى الطبيعة هى الأصل والمضارّ عارضة ، فالنار خلقت لنفعه ، والماء لنفعه ، والهواء لنفعه فإذا أحرق ثوب الناسك ، أو أغرق رب صبية لا عائل لهم ، فهذا عارض ، والأصل فى ذلك المنافع ، وهكذا خلق نوع الإنسان للخير ، والشر عارض ، ولفعل الحسنات ، والسيئات عارضة.
وبعد أن ذكر استبعادهم البعث للجزاء ، وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه ، أعلمهم بأنهم يلاقون صدق ذلك حين الموت وحين قيام الساعة فقال :
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) أي وكشفت لك سكرة الموت عن اليقين الذي كنت تمترى فيه ، وأن البعث لا شك فيه.
(ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي ذلك الحق الذي كنت تفر منه قد جاءك ، فلا محيد ولا مناص ، ولا فكاك ولا خلاص.
ولما ثقل أبوبكر جاءت عائشة رضى الله عنها فتمثلت بقول حاتم :
لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى |
|
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر |