الإيضاح
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ، فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) أي واذكر أيها الرسول لقومك موبخا لهم على كفرهم بما آمنت به الجن ، لعلهم يتنبهون لجهلهم ، ويرعوون عن غيّهم وقبح ما هم فيه من كفر بالقرآن وإعراض عنه ، مع أنهم أهل اللسان الذي به نزل ، ومن جنس الرسول الذي جاء به ، وأولئك استمعوه وعلموا أنه من عند الله وآمنوا به ، وليسوا من أهل لسانه ، ولا من جنس رسوله ـ فى ذلك الوقت الذي وجه الله إليه جماعة من الجن ، ليستمعوا القرآن ويتعظوا بما فيه من عبر وعظات ، فلما حضروا الرسول قال بعضهم لبعض : أنصتوا مستمعين ، فلما فرغ من تلاوته رجعوا إلى قومهم لينذروهم بأس الله وشديد عذابه.
وذكر الوقت ذكر لما فيه من الأحداث التي يراد إخبار السامع بها ، لما لها من خطر جليل وشأن عظيم ، فيراد علمه بها ليكون لها فى نفسه الأثر الذي يقصد منها من ترغيب أو ترهيب ، ومسرة أو حزن إلى نحو أولئك من أغراض الكلام ومقاصده.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن مسروق قال : سألت ابن مسعود من آذن النبىّ صلى الله عليه وسلّم بالجن ليلة استمعوا القرآن ، قال آذنته بهم الشجرة.
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن علقمة قال : قلت لابن مسعود : هل صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم أحد ليلة الجن؟ قال ما صحبه منا أحد ، ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا اغتيل. استطير. ما فعل؟ قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما كان فى وجه الصبح إذا نحن به يجىء من قبل حراء فأخبرناه فقال : إنه أتانى داعى الجنّ فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن ، فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم.