ثم كرر ما سلف توكيدا فقال :
(فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) أي فألقياه فى النار ذات العذاب الشديد.
(قالَ قَرِينُهُ : رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي قال الكافر معتذرا :
رب إن قرينى من الشياطين أطغانى ، فقال الشيطان المقيّض له : ربنا ما أطغيته ، ولكن كان طبعه وديدنه الضلال والبعد عن الحق ، فسار على النهج الذي يشاكل أخلاقه.
وخلاصة ذلك ـ إنه فى ضلال بعيد المدى لا يرجع عنه إلى الحق.
ونحو الآية قوله : «وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي».
(قالَ : لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ، وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) أي قال عز اسمه للإنسى وقرينه من الجن حين اختصما ـ فقال الإنسى : رب إن هذا أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى ، وقال الشيطان : ربنا ما أطغيته ولكن كان فى ضلال بعيد عن منهج الحق ـ لا تختصموا عندى ، فقد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل وأنزلت الكتب ، وقامت عليكم الحجج.
والخلاصة ـ إنهم اعتذروا بغير ما يصلح أن يكون عذرا ، فأبطل الله حجتهم وردّ عليهم بقوله :
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) أي لا يغيّر قضائى الذي قضيته ، ووعيدي الذي أوعدته بتخليد الكفار فى النار ومجازاة العصاة على قدر ما يستحقون.
(وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فلا أعذب أحدا بغير جرم اجترمه ، ولا ذنب جناه ولا أعذب أحدا مكان أحد.
ثم ذكر مكان حلول الوعيد فقال :
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ : هَلِ امْتَلَأْتِ؟ وَتَقُولُ : هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟) أي وأنذر قومك يوم نقول لجهنم : هل امتلأت بما ألقى إليك فوجا بعد فوج؟ فتقول : لا مزيد بعد ذلك.