ثم أردف هذا ذكر ما يصادفونه من الأهوال إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم بسبب اتباعهم أهواءهم وعمل ما يغضب ربّهم ، ومن ثم أحبط أعمالهم ، وهل يعتقد هؤلاء المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟ بل إنه سيوضح ذلك لذوى البصائر ، ولو نشاء لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عيانا ، ولكن لم نفعل ذلك ، سترا منا على عبادنا ، وحملا للأمور على ظاهر السلامة ، وردّا للسرائر إلى عالمها ، وإنك لتعرفنّهم فيما يبدو من كلامهم الدالّ على مقاصدهم ، بمغامز يضعونها أثناء حديثهم ، وقد كان يفهمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويفهم مراميها فلا تخفى عليه.
ثم ذكر أنه يبتلى عباده بالجهاد وغيره ، ليعلم الصادق فى إيمانه ، الصابر على مشاقّ التكاليف ، من غيره ، ويختبر أعمالهم حسناتهم وسيئاتهم فيجازيهم بما قدموا «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ».
الإيضاح
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها؟) أي أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي وعظ بها فى آي كتابه ، ويتفكرون فى حججه التي بيّنها فى تنزيله فيعلموا خطأ ما هم عليه مقيمون ، أم هم قد أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل فى كتابه من العبر والمواعظ؟
والخلاصة ـ إنهم بين أمرين كلاهما شر ، وكلاهما فيه الدمار ، والمصير إلى النار ، فإما أنهم يعقلون ولا يتدبرون ، أو أنهم سلبوا العقول فهم لا يعون شيئا.
ولما أخبر بإقفال قلوبهم بيّن منشأ ذلك فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) أي إن الذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفارا من بعد ما تبين لهم الهدى