إرشاد من العقل ، فإن كان الأول فأين الكتاب الذي يدل على أنهم شركاء؟ وإن كان الثاني فأين هو؟
وبعد أن أبطل شركة الأصنام فى الخلق بعدم قدرتها على ذلك ـ أتبعه إبطاله بعدم علمها بالعبادة فقال :
(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) أي لا أضل ممن يعبد من دون الله أصناما ويتخذهم آلهة ، وهم إذا دعوا لا يسمعون ولا يجيبون إلى يوم القيامة ؛ أي لا يجيبون أبدا ماداموا فى الدنيا ، إذ هم فى غفلة عن دعائهم ، لأنهم أحجار ، فهم صم بكم لا يسمعون ولا يتكلمون.
وما أنكى هذا التوبيخ وما أمضّ ألمه لهؤلاء المشركين على سوء رأيهم وقبح اختيارهم فى عبادتهم ما لا يعقل شيئا ولا يفهم ، وتركهم عبادة من بيده جميع نعمهم ، ومن به إغاثتهم حين تنزل بهم الجوائح والمصايب.
وبعد أن أبان أنهم لا ينفعونهم فى الدنيا ولا يستجيبون لهم دعاء ـ أبان حالهم فى الآخرة فقال :
(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) أي وإذا جمع الناس لموقف الحساب كانت هذه الآلهة التي يعبدونها فى الدنيا أعداء لهم ، إذ يتبرءون منهم ، وكانوا بعبادتهم كافرين ، فهم يقولون : ما أمرناهم بعبادتنا ولا شعرنا بهم ، تبرأنا إليك ربنا منها.
ونحو الآية قوله تعالى : «وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا» وقوله حكاية عن إبراهيم عليه السلام «وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ».