وبثلثه ثلث الوجود؛ أو يلتزم ذلك ويقال : إنّ نصف الوجود أيضا وجود ، وثلث الوجود وجود؛ لكن إذا جاز هذا فلم لا يجوز أيضا أن يقال : العلم القائم بالجسم المنقسم يكون منقسما ويكون أيضا نصف العلم علما ، وثلث العلم علما؟ فهذا ما في هذه المسألة وباللّه التوفيق. (ص ٢٦٧ ـ ٢٧٠ ، ط حيدرآباد الدكن).
أقول : هذا ما كان كلام الفخر حول هذه المسألة نقلناها من المسألة الثامنة والعشرين من كتابه الأربعين. والمطبوع منه لم يخل من أغلاط ، وقد صححناه بالعرض على نسخة مخطوطة من الأربعين في تصرّفنا. وإيرادات الفخر مذكورة في المباحث المشرقية أيضا على التفصيل وسيأتي نقلها وردّها. وهي إيرادات دائرة على ألسنة القوم حول هذا البرهان القويم الذي كأنّه بنيان مرصوص وكلّها مردودة داحظة بما يأتى من الإشراقات الباهرة الساطعة على إزالتها وإبطالها.
وقوله في شأن هذا البرهان وعظمه حيث قال : «انّ الفلاسفة ذكروا في إثبات هذا وجوها كثيرة إلّا أنّ اعتمادهم على وجه واحد» يعنى البرهان الأوّل من نفس الشفاء ، ممّا ينبغى أن يعتنى به جدّا. نعم انّ هذا البرهان له موقع خطير في إثبات تجرّد النفس الناطقة.
وصدر المتألهين في الأسفار بعد تقرير البرهان المذكور قال :
وعندهم انّه من أقوى البراهين الدالّة على تجرّد النفوس المدركة للمعانى الكلية وهي جميع النفوس البشرية. وقد سبق منّا أنّ التجرّد العقلى غير حاصل لجميع النفوس البشرية. وعندى أنّ هذا البرهان غير جار في كل نفس بل انّما يدلّ على تجرّد النفس العاقلة للصورة هي معقولة بالفعل في نفس الأمر سواء كانت بحسب ذاتها المقتضية للتجرّد ، أو بحسب تجريد مجرّد ونزع منزع ينزع معقولها من محسوسها ، وتلك النفس هي التي خرجت من حد العقل بالقوّة والعقل الاستعدادي إلى حدّ العقل والمعقول بالفعل ، وهذا العقل يوجد في بعض أفراد الناس دون الجميع؛ وذلك لأنّ الذي يدركه أكثر الناس من الطبائع الكليّة وجودها في أذهانهم يجرى مجرى وجود الكلّيات الطبيعيّة في الخارج في جزئياتها المادية كالحيوان بما هو