مراتب؛ فالنفس لها شعور ما بذاتها حال حدوثها ، ثمّ تصير أقوى فيكون إدراكها أقوى وهكذا؛ فادلة التجرّد بعضها صادقة عليها في جميع أحوالها كالبرهان المذكور ـ أعنى به قولهم : كل مجرّد قائم بذاته فهو عقل وعاقل ومعقول ـ وبعضها صادقة عليها بحسب مراتبها.
نعم يرد عليهم إيراد لا محيص لهم عنه ، وهو انّهم ينكرون اتحاد العاقل بمعقولاته المكسوبة فيقال لهم : إذا كانت الصورة المعقولة خارجة عن صقع النفس وحاقّها عارضة عليها فكيف تصير بها قويّة عاقلة مدركة لتلك الحقائق المرسلة ، بل كيف تحشر مع ما عملت وكسبت من العلم والعمل؟ والعجب أنّ ممّا هو محقق عندهم وجوب بقاء النفوس الإنسانية بعد تجرّدها عن الأبدان مع ما تقرر فيها من المعقولات ، وإنكارهم الاتحاد. على أنّ تجرّدها عن الأبدان على الإطلاق غير صحيح كما يأتى البحث عن ذلك.
وبالجملة أنّ النفس إذا كانت روحانية حدوثا فبقاؤها بعد تجرّدها عن بدنها العنصرى ممّا لا ريب فيها ، وإن كانت أدلّة تجرّدها جارية عليها بحسب مراتبها. فمن ردّ حدوثها كذلك وأثبته جسمانيا فأدلة تجرّدها العقلى مطلقا لا تصدق عليها في بدء حدوثها وطول تجرّدها الغير التام الخيالي البرزخى.
وأما ثانيا فلأنّ أقسام الصور المجرّدة على الأنحاء الثلاثة التي بيّنها وإن كان كلها لا يحصل لكل واحد من أفراد الناس ولكنّ أكثرهم ممن يعقل اسناد مفهوم إلى كثيرين وعدم امتناع فرض صدقه عليهم كما في التعاليم الأوّلية الميزانية للمبتدئين كالتهذيب في المنطق مثلا من أنّ المفهوم إن لك يمتنع فرض صدقة على كثيرين فكلّى وإلّا فجزئى ، والكلّى هذا مجرّد عن اللوازم الشخصية المادية والخيالية فمدركها أي النفس كذلك وكثير من أدلة التجرّد على هذا المبنى؛ ولا ننكر مراتب تجرّدها تنتهى إلى تجرّدها الأتم الذي يتحقق للأوحدي ، وكان الأكثرى بمعزل عنه.
والحق هو ما أفاده استاذنا العلامة الطباطبائى (رضوان الله تعالى عليه) في تعليقة منه على الأسفار في المقام بما هذا لفظه الشريف :