الأجسام ذوات النقط تكون عاقلة فوجب أن يبقى البدن بعد موته عاقلا للمعقولات لبقاء الصور العقلية على استعداده التام ولمّا لم يكن كذلك بطل هذا القسم.
وصاحب الأسفار في المقام ناظر إلى اعتراض صاحب المباحث حيث قال :
واعترض هاهنا بأنّ عدم التميز في النقطة عن المحل وإن كان مسلما لكن لا نسلّم انّه لا يحلّ فيها إلّا نهاية ما يحل في ذلك المقدار فإنّ ما ذكرتم منقوض بالألوان والأضواء الحاصلة في السطوح دون الأعماق ، وكذا حال المماسة والملاقاة.
ثمّ أجاب عنه بوجهين : الوجه الأوّل غير مذكور في المباحث ولعلّه يختص به ، والثانى هو ما في المباحث وهو قوله الآتى : «وأيضا لا بدّ في قابلية الشيء إلخ». فقال :
والجواب انّ السطح له اعتباران : اعتبار انّه نهاية للجسم ، واعتبار انّه مقدار منقسم في جهتين فقبوله الألوان والأضواء وغيرهما من جهة انّه عبارة عن امتدادى الجسم لا من جهة انّه نهاية له.
وأيضا لا بدّ في قابلية الشيء أن يكون للقابل استعداد خاص أو مزاج حتى يقبل كيفية أو صفة وليس للنهاية بما هي نهاية اختلاف قوّة أو حالة استعدادية في القابلية؛ فلو كان للنقطة مثلا إمكان أن تقبل صورة عقلية لكانت دائمة القبول لها لعدم تجدّد حالة فيها فرضا فكان المقبول حاصلا فيها أبدا إذ المبدا دائم الفيض فلا يتراخى فيضه إلّا لعدم صلوح القابل والمفروض انّ الصلوح والاستعداد حاصل لها من حيث ذاتها فلزم من ذلك انّ جميع الأجسام ذوات النقطة عاقلة ، ووجب أن يكون العاقل عند موته عاقلا لوجود قابل العاقلية فيه فالتالى باطل فالمقدم كذلك. انتهى.
أقول : قوله : «للقابل استعداد خاص» ذلك كما في البسائط العنصرية ، وقوله : «أو مزاج» وذلك كما في المركبات. وقوله : «لعدم تجدّد حالة فيها فرضا» وذلك لأنّ الاستعداد الخاص أو المزاج يوجبان أو يقبلان ذلك التجدّد ، والفرض أنّ النقطة عارية عنهما. وقوله : «ووجب أن يكون العاقل عند موته عاقلا ...» يعنى بالعاقل هنا الجسم ذا النقطة لأنّ النقطة على ذلك الفرض عاقلة ، فإذا مات الجسم العاقل وجب أن يكون عاقلا أيضا لملاك قابل العاقلية فيه وهو النقطة.