الرابع فقد سبق أنّ القوّة الوهمية مجرّدة عن المادة لا عن إضافتها وكذلك حكم مدركاتها» ناظر إلى ما سبق في الفصل الثالث من الباب الخامس من نفس الأسفار ، من أنّ الوهم عبارة عن إضافة الذات العقلية إلى شخص جزئى وتعلقها به وتدبيرها له إلخ. والغرض أنّ الوهم عقل ساقط ، ومرتبة نازلة له وبالجملة أنّ امر الإدراك على التثليث أي الإحساس والتخيل والتعقل ، لا على التربيع وهو الثلاثة المتقدمة مع زيادة التوهم. وراجع العين الإحدى والثلاثين وشرحها من كتابنا سرح العيون في شرح العيون في البحث عن أصناف الإدراك.
وإليه يئول أيضا ما في المعتبر لأبى البركات وهو الدليل الرابع فيه على تجرّد النفس الناطقة ، وقد أتى فيه بأحد عشر دليلا. قال :
احتجوا على أنّ النفس جوهر غير جسمانى بأنّ النفس الناطقة أيضا تعلم العلم المجرد الكلى الذي لا ينقسم ، فلو كانت جسمانية لقد كان العلم الكلى يحل محلّها الذي هو الجسم المنقسم ، وما لا ينقسم لا يحل في منقسم (ج ٢ ، ص ٣٥٧ ، ط حيدرآباد الدكن).
ولا يخفى عليك أنّ هذا البرهان مستنبط من البرهان المذكور من الشفاء فانّ حاصل ما في الشفاء عبارة عن انّ وعاء البسيط بسيط. والراقم قد عبر عن هذا في تصانيفه بأنّ بين الغذاء ومغتذيه لا بدّ من شاكلة اعنى من مناسبة ومسانخة ومشابهة ومجانسة ، والعلم طعام الإنسان من حيث هو إنسان ، والعلم نور يقذفه في قلب المؤمن فالقلب نور ، والقلب هو النفس الناطقة الإنسانية ففي الكافي بإسناده عن هشام بن الحكم قال :
قال لى أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام ... يا هشام! انّ اللّه تعالى يقول في كتابه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) يعنى عقل؛ وقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) قال : الفهم والعقل (كتاب العقل والجهل ، ج ١ من المعرب ، ص ١٢ و ١٣).
ثمّ اعترض أبو البركات على الدليل المذكور بما يأتى نقله وردّنا عليه.
ويأول إلى البرهان المذكور أيضا الدليل الأوّل من حكمة عين القواعد للدبيران الكاتبي القزوينى حيث قال : البحث الثالث في إثبات النفس الناطقة وبيانه من وجوه :