كلام في غاية الإيقان والإتقان ، وهو نتيجة كل واحد من البراهين القاطعة على تجرّد نفس الإنسان. فقد خبط الجاهلون بآرائهم الكاسدة الفاسدة أنّ الموت إعدام الذات وإبطالها رأسا؛ ولم يهتدوا بنور القرآن والعرفان والبرهان أنّه تفريق صفة الوصل أعنى العلاقة التي بين النفس والبدن العنصرى بضرب من التعبير ، وأنّ النفس باقية بعد خراب البدن وبواره بما هو مبدأ لوجودها من الجواهر الباقية العقلية :
سعديا گر بكند سيل فنا خانه عمر |
|
غم از او نيست كه بنيان بقا محكم از اوست |
ونعم ما أفاده صدر المتألهين في رسالة المظاهر : «من أنّ الموت يرد على الأوصاف لا على الذوات لأنّه تفريق لا إعدام ورفع».
واعلم أنّ نسخ العبارة في الفصل المذكور من الإشارات مختلفة جدّا والأصوب ما اخترناه. ففي بعض النسخ : من الجواهر العقلية ، وفي بعضها : من الجواهر الباقية العقلية ، وفي بعضها : بما هو مفيد الوجود ، وفي بعضها : بل تكون باقية بما هو مبدأ لوجودها من الجواهر الباقية. وهذه الأخيرة تلي في الصواب ما اخترناه. ثمّ انّ كلمة من بيان ما. وانّما كانت الجواهر الباقية أي العقول مستفيدة الوجود لأنّها وسائط فيض الأوّل تعالى ، تستفيد الوجود منه تعالى وتفيد ما دونهم وإن كان المفيد الواهب واقعا هو الأوّل (جلّ شأنه وعزّ اسمه) فلا يكون بينه سبحانه وبينهم بل وبين ما سواه تمايز تقابلى ، بل تميز المحيط عن المحاط بالتعيّن الإحاطى والمحاطى.
والمحقق الطوسى أفاد في شرح الفصل المذكور مطالب نذكرها ثمّ نشير إلى بعض تعليقاتنا عليه. قال :
لمّا كانت النفس الناطقة واقعة في آخر مراتب العود اشتغل بالبحث عن حالها بعد تجرّدها عن البدن ، فاستدلّ بتجرّدها في ذاتها وكمالاتها الذاتية عن المادة وما يتبعها ، وبأنّها غير متعلقة الوجود بشيء غير مباديها الدائمة الوجود على ما تبيّن في النمط الثالث وغيره على بقائها بعد الموت كذلك. وأشار بلفظة «لمّا» إلى ما ثبت في النمط الثالث من عدم انطباع النفس في الجسم. وبقوله «التي هي موضوع ما للصّور