كوعائها الواهب أيضا كذلك فالعلم ووعائه مطلقا من وراء عالم المادة ، وكثير من الأدلّة في تجرّد النفس ناظر إلى سنخية بين وعاء العلم والعلم كما ستطلع عليها.
والدليل مبتن على ثلاث مقدمات :
إحداهما : أنّ العلم والتعقل انّما هو بحصول صورة المعقول عند العاقل؛
وثانيتها : انّ الصور المعقولة غير ذات مقدار؛
وثالثتها : أنّ ما لا يتقدر أي المجرّد عن المقدار لا يحل في متقدر أي في ذى مقدار فأنتجت أنّ الجوهر العاقل لهذه الصور المجرّدة أي النفس الناطقة الإنسانية مجرّد عن الجسم وأحكامه فهو موجود نورى بسيط من فوق عالم الطبيعة وورائها.
والحق أنّ حصول الصور المرسلة النورية للنفس أشمخ من نحو التعبير بالحلول والمحل.
قوله : «وهي أحدية صمدية لا تقسمها الأوهام» ، هذا الحكم الحكيم لا ينافي قولهم بأنّ كل ممكن زوج تركيبى فافهم.
ثمّ انّ الصمد ـ كما فسرّه السنة ترجمان الوحى ـ هو الذي لا جوف له ، وفي مأثور آخر : الصمد الذي ليس بجسم ولا جوف له. ـ وحققنا البحث عن الصمد مع ذكر الروايات في تفسيره عن الجوامع الروائية في رسالتنا الموسومة بـ أنّه الحق (ص ٢٨٢ ـ ٢٨٤ ، من ١١ رسالة) ـ والغرض أنّ إطلاق الصمد على النفس الناطقة الكاملة فله وجه كما أطلق على الملائكة كما في الخبر «أنّ اللّه تعالى خلق الملائكة صمدا ليس لهم أجواف». وعلى هذا الوجه الوجيه قد حقّقنا في موضعه أنّ اللّه سبحانه صمد لا مدخل فيه ولا جوف له لأنّه فعلية مطلقة لا يخلو منه شيء ولا يشذ منه مثقال عشر عشر اعشار ذرة فلا يتصور له ثان ، وكذا كتابه القرآن الفرقان صمد فلا جوف له حتى يتمه ويكمله كلام آخر أو كتاب آخر ، وكذا نبيّه الخاتم في إنسانيته ونبوّته صمد فالقرآن مصمت ليس بأجوف وكذا الخاتم ليس في نبوته بأجوف حتى يتمّ ويكمل بغيره فكل واحد من الثلاثة لا يتصوّر له ثان فانّه لا ثانى بعد الصمد فافهم.
وأمّا النفوس الناطقة الناقصة من حيث إنّها نفوس فليست بصمد ، وأمّا الإنسان