شرائط معقولية تلك الماهية ، وذلك لأنّ التجريد في الحقيقة هو الترفيع أي ترفيع الوجود الجسمانى إلى الوجود العقلانى؛ وكذا في العين السابعة والثلاثين أنّ كل محسوس فهو معقول في الحقيقة ، وإن وقع الاصطلاح على تسميته جزئيا. وجملة الأمر في الصورة المجرّدة أنّ التجريد عن العوارض المقارنة للماهية ليس من شرائط معقولية تلك الماهية إذ للعقل أن يتصور ماهية الإنسان مثلا مع جميع عوارضه وصفاته ونعوته من كمّه وكيفه وأينه ووضعه ومتاه وكذا بشكله وأعضائه وجوارحه ، كل ذلك على الوجه العقلى الكلّى.
قول الكاتبى : «وإن لم يطابقها في المقدار إلخ» أقول : الصورة المجرّدة البرزخية في النفس بل لدى النفس القائمة بها أعنى بها الصور الخيالية ، لها تجرّد غير تام فليس تجرّدها نحو التجرّد التام العقلى ، ولها مقدار وإن لم يكن مقدارها ماديا؛ والنفس بعد تجريد الصورة عن المادة وجعلها مجرّدا خياليا مقداريا يجرّده في مرتبة أخرى أشرف وأتم من الأولى تجرّدا تاما عقليا ـ هذا لو قلنا في الصورة العلمية بتجريد النفس وانتزاعها ، وأمّا إن قلنا بإنشائها إيّاها فالأمر أدقّ من نحو هذه المباحث ، والجواب عن الاعتراض كان على وجه أرفع وأشرف ـ كيف كان والمحقّق أنّ هذا المجرّد المعقول المجرّد عن المقدار الخيالي صادق على كل فرد من أفراده الخارجية؛ فإن أراد الكاتبى من صدق المقارن بالمقدار على أفراده الخارجي هذا المعنى فلا نزاع فيه لأنّ الأمر في تقرر تلك الصورة المعقولة في النفس ، ولكنّه أراد حلول الصورة العقلية الكلية في الجسم المادّي ، ولا يخفى عليك أنّ تلك الصورة حينئذ ليست بكلّية لأنّها تخصّصت بوضع خاص وعوارض مشخصة مادّية. لست أقول إنّ الصورة الكلّية لا تصير متخصّصة بخصوصيات ولكنّها لو تخصّصت بألف خصوصية من سنخها لا تخرجها عن الكلّية ، بل انّما الكلام في تخصّص الصورة المادية الممنوّة بالوضع الخاص والعوارض المشخصة الماديّة فانّها تمنع عن الكلية ولا تقارنها ولا تجمع معها فتبصّر.
وبالجملة أنّ حلول الصورة العقلية في المادة التجرّمية محال رأسا ، والتجرّد لا يجامع التجرّم أصلا ، وأمّا انتزاع الصورة العقلية عن الصورة الجرمية فأمر آخر ،