وانّما ننقل الكلام في هذه الصورة العقلية ونحو حصولها للنفس. وهذه الصورة بذاتها مطابقة لأفرادها لا بصورة أخرى منتزعة عنها.
وأمّا ما قال الشارح العلّامة : «بل الأولى أن يقال كما أنّ الصورة العقلية الكلّية ... إلخ» فهذا إشكال صعب الانحلال حرره صاحب الأسفار في الحجة الثالثة من كتاب النفس على تجردها ، ثمّ أجاب عنه بتحقيقه العرشى ، ولنا حول كلماته السامية في هذه الحجة تعليقات عديدة فالصواب أن نذكر الحجة بقلمه الشريف ، ثمّ ما تيسّر لنا حولها ممّا أفاض علينا رب (ن وَالْقَلَمِ) قال :
الحجة الثالثة أنّ نفوسنا يمكنها أن تدرك الإنسان الكلى الذي يكون مشتركا بين الأشخاص الإنسانية كلّها ، ولا محالة يكون ذلك المعقول مجرّدا عن وضع معيّن وشكل معيّن وإلّا لما كان مشتركا بين الأشخاص ذوات الأوضاع المختلفة ، وظاهر أنّ هذه الصورة المجرّدة أمر موجود ، وقد ثبت أنّ الكليات لا وجود لها في الخارج فوجودها في الذهن ، فمحلّها إمّا أن يكون جسما أو لا يكون ، والأوّل محال وإلّا لكان له كمّ معيّن ووضع معيّن بتبعية محلّه ، وحينئذ يخرج عن كونه مجرّدا وهو محال ، فإذن محلّ تلك الصورة ليس جسما فهو إذن جوهر مجرّد.
ولقائل أن يقول : لصورة الكلية المعقولة من الإنسان هل لها وجود أم لا؟ فإن لم يكن لها وجود فكيف يمكن أن يقال إنّ محلّها يجب أن يكون كذا؟ وإن كان لها وجود فلا محالة هي صورة شخصية حالّة في نفس إنسانية شخصية لاستحالة أن يوجد المطلقات في الأعيان وهي من حيث إنّها صورة شخصية قائمة بنفس شخصية غير مشترك فيها بين الأشخاص : أمّا أولا فلأنّ الأمر الشخصى لا يكون مشتركا فيه؛ وأمّا ثانيا فلأنّ الصورة عرض قائم بالنفس ، والأشخاص جواهر مستقلّة بذواتها ، فكيف يمكن أن يقال إنّ حقيقة الجواهر القائمة بذاتها عرض قائم بالغير؟ فإن قالوا : إنّ المعنيّ بكون تلك الصورة كلّية أنّ أيّ شخص من الأشخاص الإنسانية سبق إلى النفس كان تأثيره في النفس ذلك التأثير ، ولو إنّ السابق إليها هو الفرس لما كان أثره فيها ذلك الأثر بل أثر آخر.